المحتويات [إظهار]
مقدمة المترجم
ترجمة مقال رائع نُشر بالإنجليزية لصامويل ميللر ماكدونالد بصحيفة currentaffairs، يتحدث فيه عن عدم الخلط بين ما يقال عليه الآن بـ "الفاشية الإيكولوجية" التى نترجمها بـ "الفاشية البيئية" و الليبرالية بذكر مختصر للتاريخ الليبرالي العنصري فى مواجهة البيئة و هو يدعونا أن المشكلة ليس فيما نسميه بـ "الفاشية البيئية" و لكن في "الليبرالية"
النص
في آذار/مارس 2019، أطلق شخص النار يعمل كقناص في نيوزيلندا بـ 51 شخصاً في مسجدين في كريستتشيرش. في البيان الذي يحتوي على 74 صفحة والذي يحتوي على الأساس وراء دوافع عمليته، خلط بين المخاوف البيئية وبين القومية العرقية، فكتب بشكل مباشر: "لا توجد قومية دون نزعة بيئية." في شهر يناير/كانون الثاني، ذهبت جين جودل إلى دافوس لإخبار قاعة تغص بأغنياء العالم بأننا ما كنا لنعاني من العديد من المشاكل البيئية العالمية لو كان تعداد سكاننا أقل كثيراً من حيث ما هو عليه (فقد أشارت إلى أننا في مكان ما في نطاق الـ 500 مليون نسمة، أي حوالي 1/15 من السكان الحاليين). وفقًا للعديد من المغردين عبر تويتر، فإن مطلق النار علي المسجدين و جودل مثالان لنفس الشبح المتنامي: الفاشية البيئية.
قد يعتقد شخص ليس على الإنترنت بشكل دوري أو ليس متعمقاً في الخطاب السياسي أنه من السخافة أن نجمع همس عجوز لطيفة عبرت عن حشو واضح بنفس سياق فعل سياسي إرهابي قام به القومي الأبيض الذي قتل عشرات الأشخاص. وهم على حق في الاعتقاد بذلك: على السطح، يبدو هذا غبياً جداً. ولكن عندما ننظر عن كثب إلى رؤية جودل للعالم (أو على الأقل تلك الخاصة بجمهور دافوس الذي كانت تروج له) والقومية البيضاء لمطلق النار في المسجد، فسوف يكون بوسعنا أن نجد أصل إيديولوجي مشترك، ولو أنه ليس بالضرورة الأصل الذي تم التعرف عليه بشكل عام. والواقع أن الإيديولوجية السامة التي تكمن في جذور كلتا الحالتين ليست نسخة جديدة مخيفة من الفاشية. ولكن ما حدث بدلاً من ذلك، كما هي الحال غالباً مع الأفكار السيئة، هو مجرد رأسمالية ليبرالية قديمة مملة. قد يكون وصف "الفاشية البيئية" مناسباً بعض الشيء، ولكن بدلاً من مطاردة شبح جديد، دعونا نتعرف على العدو الحقيقي الأكثر خطورة وقوة. حيث لن نتمكن من بناء عالم عادل وسليم بيئياً إلا بفهم ما نواجهه.
ولكن قبل أن نصل إلى هناك، دعونا نوضح بعض التشويش الذي قد يربك محادثتنا.
ما لا تعنيه الفاشية البيئية
كانت جائحة COVID-19 الأخيرة سبباً في إحداث قدر من النشاط، كما فشلت الإجراءات الحكومية في تحقيق هذه الغاية على نطاق واسع: إغلاق العديد من الأنشطة الصناعية المكثفة مثل النقل والتصنيع باستخدام الوقود الأحفوري. وكانت النتيجة في بعض الاماكن تحسنا في البيئة المحلية. ففي ايطاليا مثلاً، بدأت قنوات البندقية الملوَّثة بثاني أكسيد النتروجين منذ وقت طويل في التصفية. فالسمك يعود، و أصبحت المياه أوضح مما كانت عليه في ٦٠ سنة، كما يقول بعض السكان المحليين. (تحديث: تبين أن بعض هذه التقارير كان مبالغاً فيها أو كانت كاذبة تماماً. ولكن الدراما المنتشرة علي تويتر حولها تظل حقيقية إلى حد مؤلم). وشوهدت نتائج مماثلة في الصين حيث انخفض تلوث الهواء بشكل كبير نتيجة الإغلاق. وبحسب احدى الدراسات، قد ينقذ تلوث الهواء المنخفض حياة 77000 شخص.
وقد رد البعض على هذه الظاهرة كما قال أحدهم فى تغريدة أشياء مثل "نحن الفيروس." إحدى التغريدات التي تقول هذا حرفياً لديها 213 ألف إعجاب حتى وقت النشر. ولكن في تغريدات أخري أشارت إلى هذا النوع من الرسائل بالفاشية البيئية (594000 إعجاب). والواقع أن العديد من مستخدمي الإنترنت نجحوا في جذب الإهتمام على تويتر واصفة تلك التغريدات بـ"الفاشية البيئية".
هذا غريب. إذا أخذنا مصطلح "الفاشية البيئية" حرفياً و تقنياً ــ بمعنى استجابة يمينية استبدادية لأزمة بيئية ــ فإن إغلاق الحكومة الإيطالية السلطوي، أو الصين في هذا السياق، يصبح أقرب كثيراً إلى الفاشية البيئية من تعليقات كارهي البشر على الإنترنت التي تقول إن البشر فيروس. ونظراً للأدلة الحديثة على أن تفشي COVID-19 هي في الواقع نتيجة للتدهور البيئي، فإن الإستجابات الاستبدادية لهذه التفشي ربما تكون الأمثلة الحرفية الأكثر للفاشية البيئية في العالم اليوم. فهي أبعد ما تكون عن التركيز الحيوي، بالنظر إلى أنها تهدف إلى إنقاذ الأرواح البشرية على حساب البيئة؛ وتخطط الصين لتخفيف قواعد التلوث السيئة بالفعل في أعقاب الفيروس. الواقع أن الفاشية التاريخية كانت في كثير من الأحيان، إن لم يكن دائماً، تتمحور حول الإنسان. كان الفاشيون الإيطاليون، الذين اخترعوا هذه الإيديولوجية، يكرهون الطبيعة ويمجدون الإبتكار والتكنولوجيا البشريين. إن تعليقات تويتر التي تركز بشكل غامض على الأحياء أو حتى على كراهية الإنسان ليست في الواقع فاشية بيئية في حد ذاتها، ما لم تكن على وجه التحديد تدعو بشكل مباشر إلى الإستبداد أو القومية العرقية. و لذلك فإن الإشارة إلى مثل هذا الخطاب باعتباره مثالاً للفاشية البيئية لا تساعدنا في فهم ومحاربة ما نواجهه على نحو أفضل.
علاوة على ذلك، لا تتحقق الفاشية البيئية عندما يبدي شخص ما ملاحظة غير واقعية مفادها:
- بعض المجموعات السكانية البشرية (التي تمارس الزراعة المكثفة) غالبا ما تتسبب في تشريد مجموعات سكانية غير بشرية، مما قد يسبب مشاكل بيئية حادة ؛
- سيتعين على العديد من المناطق البشرية أن تتقلص بطريقة ما لتجنب الانهيار البيئي العالمي ؛
- من المحتمل أن يؤدي انخفاض المتطلبات البشرية بشكل كبير على البيئة إلى تقليل الآثار السلبية على البيئة.
هذه حقائق مادية أساسية. ولكن لا ينبغي لنا أن نعتبر هذه الأفكار من المسلمات، لأنه صحيح أن مثل هذه الأفكار يمكن تسليحها بواسطة القوميين العرقيين. وإذا قلنا إن حجم السكان من البشر قد يخلف تأثيرات سلبية على كوكب الأرض، فإن بعض العنصريين سوف يفرجون بابتهاج عن قائمة بمن يعتقدون أنهم لابد وأن يُـبادوا أولاً.
ما يلزم أن نكون صادقين بشأنه هو "القدرة الاستيعابية" للأرض - المعروفة أيضاً باسم، مدى قدرة الكتلة الحيوية على العيش في مكان معين في وقت معين؟. من الصعب تحديد القدرة الاستيعابية الفعلية للكوكب لأنها ليست ثابتة: فالتحولات المناخية، والعوامل الجيولوجية والفلكية، والتكنولوجيا البشرية كلها يمكن أن تؤثر على الكوكب. فقد كان العصر الهولوسيني -على سبيل المثال- تغيراً مناخياً وجيولوجياً كبيراً أدى إلى زيادة الكتلة الحيوية المتاحة للبشر على كوكب الأرض، وهذا هو السبب في أن السجل الأثري يظهر زيادة مطردة في أعداد البشر منذ بداية عصر الهولوسين قبل نحو 12 ألف عام. ومنذ ذلك الحين، أُبيدت 82% من الكتلة الحيوية للثدييات غير البشرية البرية، وهو ما يرجع جزئياً إلى توسع الإنسان كنوع غازٍ في النظم البيئية الجديدة. كما استُؤصلت أنواع أخرى شبيهة جداً بالبشر، ربما بسبب التنافس البشري على الموارد.
إن الفكرة القائلة بأن الموارد من الممكن أن تصبح لانهائية في وقت ما من المستقبل هي أسطورة رأسمالية، ولا أساس لها في أي علم مقبول. وهناك بعض الأدلة الجيدة التي تشير إلى أن الحدود القصوى لقدرة استيعاب أعداد البشر على كوكب الأرض تتراوح بين مليار وملياري إنسان يعيشون في ظروف الهولوسين المستقرة بناءً على أساس عضوي محض (يعني مصطلح "عضوي" أي دون استخدام الوقود الأحفوري لتصنيع الأسمدة وحرث وحماية وحصاد الأراضي الزراعية، والإفراط في صيد المحيطات). ولكن هذا العدد موضع خلاف، وتجدر الإشارة إلى أنه لا يزال يتطلب استخدام أشكال الزراعة المكثفة والمدمرة فى كثير من الأحيان و التي تستبعد إيكولوجياً/بيئياً التنوع البيولوجي. وعلاوة على ذلك، يبدو من المرجح أن ظروف الهولوسين المواتية والمستقرة تقترب الآن من نهايتها بسبب التأثير البشري على المحيط الحيوي. لذلك نحن فقط لا نعرف ما هي القدرة الاستيعابية للكوكب على التحمل و لكن و بثقة كبيرة فإنها تتغير حالياً وربما تتقلص.
ورغم أنه من المهم أن نعترف بوجود قدرة تحمل، وأيضاً ألا نتظاهر، كما تفترض الرأسمالية الحديثة، بأن الأرض قابلة للاستغلال إلى ما لا نهاية، فيتعين علينا أيضاً أن نتوخى الوضوح فيما هو خطير في هذا النهج. الواقع أن تعليق جودل حول الزيادة السكانية يؤدي إلى نتائج عكسية، ليس لأنها بحكم الأمر الواقع من أنصار حماية البيئة، بل لثلاثة أسباب.
الأول يمكن أن يكون لعبارة "هناك الكثير من البشر" آثار سياسية مرعبة بسهولة ، وخاصة عندما يُقال في قاعة مليئة بالأثرياء، والمختلين عقلياً الذين يشعرون بالرضا عن الذات والذين يعتقدون أنهم يملكون الذكاء والسلطة لاتخاذ القرارات بالنيابة عن بقية الكائنات الحية.
وثانياً، تكون الرؤية رديئة بشكل خاص عندما تصل لشخص إنكليزي أبيض متعلم من كامبردج (وسيدة من أفضل فرسان الإمبراطورية البريطانية) تدرس الحيوانات في أفريقيا، نظراً لتاريخ تجاهل الاستعمار البريطاني لمصالح الناس هناك.
وأخيرا، لتراجع العلاقة السببية إلى الوراء. والشيء الذي يدمر الكوكب -الاستغلال المفرط المكثف للوقود الأحفوري الذي تدعمه الأيديولوجية الاستخراجية- هو محرك النمو السكاني المتسارع.
الأول يمكن أن يكون لعبارة "هناك الكثير من البشر" آثار سياسية مرعبة بسهولة ، وخاصة عندما يُقال في قاعة مليئة بالأثرياء، والمختلين عقلياً الذين يشعرون بالرضا عن الذات والذين يعتقدون أنهم يملكون الذكاء والسلطة لاتخاذ القرارات بالنيابة عن بقية الكائنات الحية.
وثانياً، تكون الرؤية رديئة بشكل خاص عندما تصل لشخص إنكليزي أبيض متعلم من كامبردج (وسيدة من أفضل فرسان الإمبراطورية البريطانية) تدرس الحيوانات في أفريقيا، نظراً لتاريخ تجاهل الاستعمار البريطاني لمصالح الناس هناك.
وأخيرا، لتراجع العلاقة السببية إلى الوراء. والشيء الذي يدمر الكوكب -الاستغلال المفرط المكثف للوقود الأحفوري الذي تدعمه الأيديولوجية الاستخراجية- هو محرك النمو السكاني المتسارع.
الاكتظاظ البشري ليس مصدر هذه المشكلة، إنها واحدة من النتائج العديدة للمشكلة. وصحيح أيضاً في الوقت نفسه أنه قد تكون هناك متطلبات بشرية كثيرة جدا على الأرض و البيئة من الناحية البيئية حتى لا يكون هناك تنوع بيولوجي وفير، خاصة إذا أردنا أن نوسع الوفرة المادية للجميع بمن فيهم الفقراء حالياً. وكما وجد إحصاء حديث للكتلة الحيوية في الارض نُشر في أعمال الأكاديمية الوطنية للعلوم، « إن حجم البشر أعلى بكثير من حجم كل الثدييات البرية مجتمعة ».
ومع ذلك، من الضروري أن نعترف بواقع تأثيرنا على هذا الكوكب من دون التنازل عن أي أرضية للقوميين البيض. نحن بحاجة إلى انخفاض المتطلبات البشرية على البيئة. هذه حقيقة لا جدال فيها ولكننا لا نحتاج إلى قتل أي شخص للوصول لهذه الغاية، وعلى وجه الخصوص ليس السكان الضعفاء والمهمشين الذين يكون تأثيرهم أقل في المقام الأول. (الواقع أن عدم وجود سبب بيئي سليم من أنصار حماية البيئة لمتابعة السياسات الاستبدادية والعنصرية وعلم تحسين النسل لابد أن يدفعنا إلى التساؤل ما إذا كان الأشخاص الذين يستشهدون بمبررات أنصار حماية البيئة لهذه السياسات قد تكون لديهم في الأساس غرائز استبدادية وعنصرية). وقد وجدت دراسة نُشرت في PLOS أن "البلدان ذات الكثافة السكانية العالية والعدد الكبير من البشر لها تأثير بيئي نسبي أكبر والبلدان ذات معدلات نمو سكاني أقل لها تأثير بيئي نسبي أقل قليلاً"، ولكن "البلدان ذات الثروة الإجمالية الأكبر لها سجلات بيئية أسوأ من البلدان الأفقر." المشكلة ليست وجود عدد كبير من الناس في البلدان الفقيرة والأقل نمواً. ولكن المشكلة تكمن في إفراط الأغنياء في البلدان الغنية في الإستهلاك والنمو. (انظروا إلى رسم بياني للانبعاثات التراكمية من ثاني أكسيد الكربون في كل بلد لكي تعرفوا إلى أي مدى يشكل تغير المناخ مشكلة ناجمة بشكل مباشر عن الولايات المتحدة وأوروبا).
وبدلاً من المشروع البائس المتمثل في محاولة "الحد من عدد السكان"، والذي من المؤكد أن يؤدي إلى انتشار الفظائع على نحو غير متساو وانحطاط أشد قسوة على الضعفاء من السكان، بوسعنا معالجة المخاوف البيئية من خلال بناء اقتصاد ما بعد النمو، وعلى وجه التحديد اقتصاد ما بعد النمو الاشتراكي الذي يعمل على تصحيح التفاوت الاقتصادي مسترشداً ببعض الممارسات المحلية، قد تكون الوسيلة الأفضل والأكثر أخلاقية. وتاريخياً، كان العديد من مجتمعات الشعوب الأصلية مدركة تماماً للقدرات الاستيعابية، مستخدمة استراتيجيات بارعة للتعامل معها (بغض النظر عن استراتيجيات رهيبة إلى حد ما مثل قتل الرضع). وكان بعض هذه الاستراتيجيات ناجحة للغاية: تشير دراسة حديثة في Nature Sustainability إلى وجود شعوب الأمم الأولى في حضارات شمال شرق الولايات المتحدة الحالية التي دامت 14000 سنة لم يكن لها سوى أثر سلبي ضئيل، إن كان لها أثر على الإطلاق، على التنوع البيولوجي لنظمها البيئية.
وإذا أردنا عالما خالياً من الوقود الأحفوري بموارد مادية وفيرة ومشتركة بيننا بإنصاف، فسنحتاج إلى ضمان ألا تتجاوز المتطلبات البشرية الحدود البيولوجية. ولكن يجب ألا نسعى إلى تحقيق ذلك بوسائل عنصرية أو قسرية. و هذه مجرد حقيقة يجب أن تساعد في توجيه رؤيتنا الطويلة المدى للمجتمع، كما أرشدت العديد من مجتمعات السكان الأصليين لآلاف السنين. والواقع أن الخطر الشديد المتمثل في ملاحقة الاستدامة على نحو غير عادل يُعَد أحد الأسباب العديدة المؤدية إلي أنه يتعين على الاشتراكيين أن يقودوا هذا التحول: فإذا لم يقودوا فإن الليبراليين أو الفاشيين المنفتحين سوف يفعلون، ومن المرجح أن تتسم جهودهم بالعنف والتفاوت والعنصرية. إن النهج الاشتراكي يتلخص في ضمان قدرة كل الناس على العيش على قدم المساواة مع الوفرة المادية. ولا يمكن تحقيق هذا في ظل ذلك النوع من الاستهلاك والاستخراج المحموم الذي اتسمت به الرأسمالية الليبرالية حتى الآن، ولا في ظل شيوعية الدولة (أو أشكالها الهجينة). ولكن لماذا نلاحق الرأسمالية الليبرالية على وجه التحديد؟ ولماذا يكون الأمر خطيراً للغاية عندما يتعلق الأمر بتسهيل التحول البيئي؟
الفاشيون الإيكولوجيون غالبا ما يكونون ليبراليين والعكس صحيح.
قد يتصور المرء أن ملاحقة الليبرالية أمر غير عادل: ألا تعتبر التوجهات العنصرية في التعامل مع السياسة البيئية قضية عرقية؟ صحيح، وهذا هو بيت القصيد إن القومية البيضاء التي ينادي بها من نصبوا أنفسهم خبراء في حماية البيئة مثل إرهابي نيوزلندا، فضلاً عن الإيديولوجيين من ذوي اليمين المتطرف مثل ستيف بانون، وتاكر كارلسون، وريتشارد سبنسر، تتناسب مع المسار الفكري للليبرالية الأوروبية. إن أساطير "الاستبدال الأبيض" و "الإبادة الجماعية البيضاء" ليست جديدة ؛ تتمتع هذه الأساطير بتراث إيديولوجي عريق في الرأسمالية الليبرالية. وعندما ننظر ولو لفترة وجيزة إلى تاريخ الليبرالية الاقتصادية، فلا ينبغي لنا أن نندهش: فقد تأسست الليبرالية الاقتصادية ذاتها على ذلك النوع من الإبادة العرقية البيئية العنصرية التي أعيد تسميتها مؤخراً بـِ "الفاشية البيئية".
أولاً، لنوضح شروطنا إن الليبرالية الاقتصادية ليست كالليبرالية السياسية ـ الإيمان بأمور مثل حرية التعبير والديمقراطية التمثيلية، ولا علاقة لهذه المصطلحات بالتوجه السياسي المريب وغير المفيد "الليبرالي المحافظ". إن أغلب الجمهوريين ليبراليون اقتصاديون. ومن المحير أن الليبرالية الاقتصادية لا تتفق مع الليبرالية السياسية لأن الاقتصادات الرأسمالية تنتج أشياء معادية للديمقراطية مثل التفاوت في الثروة وتوحيد الأسواق، الأمر الذي يجعل حرية التعبير والديمقراطية التمثيلية مستحيلين عملياً، حتى ولو كان مسموحاً بها قانوناً. أو قد يزعم البعض أن الحريات التي وعدت بها الليبرالية السياسية لم يكن المقصود منها أن تكون عالمية بين أي شخص باستثناء الذكور الأوروبيين من ملاك الأراضي. مما لا شك فيه أن كلاً من الليبرالية الاقتصادية والسياسية نشأت في وقت كان المستوطنون الأوروبيون منخرطين في غزو قاتل ونهب في مختلف أنحاء العالم، وكانوا ينادون صراحة في كثير من الأحيان باستبدال الناس غير الأوروبيين وغير المسيحيين بما يسمى "العرق الأعلى". "كان المستعمرون في حاجة إلى مبررات سامية لذبحهم وسرقتهم، وتحرير الليبرالية.
هيا نلعب لعبة. حاول تحديد أي من هذه الاقتباسات قاله بطل ليبرالي للحضارة الغربية، وأيها مقتطف من بيان مطلق النار ععلى المساجد بنيوزيلندا (يجب علينا التحذير من العنصرية المتطرفة):
- "هذه الحركة بين اليهود ليست جديدة … وهذه المؤامرة العالمية للإطاحة بالحضارة وإعادة تشكيل المجتمع … تتنامى بإطراد".
- "إنني أؤيد بشدة استخدام الغاز المسموم ضد القبائل غير المتحضرة … [إنه] سينشر رعباً مفعماً بالحيوية".
- "أنا أكره الهنود (السكان الأصليين)… هم شعب متوحش مع ديانة متوحشة."
- " أنا لا أعترف بأنه قد تم ارتكاب خطأ فادح ضد الهنود الحمر في أمريكا ، أو السود في أستراليا... لأنه انتصر العرق الأقوي، عرقاً من درجات اعلى... قد جاء وأخذ مكانه. "
- " كانت [المجاعة الهندية] ذنبهم الخاص في ‹ التكاثر مثل الأرانب › [و ...] الطاعون كان (بسرور) يقتل السكان ".
- "[التعقيم الإجباري] هو حل عملي ورحيم وحتمي للمشكلة برمتها، ويمكن تطبيقه … في نهاية المطاف على أنواع العرق التي لا قيمة لها".
- "إن بلدان الشمال الأوروبي ، بالنسبة لجميع أنحاء العالم، جنس من الجنود والبحارة والمغامرين والمستكشفين، ولكن قبل كل شيء، من الحكام والمنظمين والأرستقراطيين …".
- " كان العالم سيتوقف لولا غزوات التيوتونيين في الأراضي الغريبة."
- "إن الديمقراطية في القرن التاسع عشر لا تحتاج إلى إثبات كامل لوجودها أكثر من كونها احتفظت للعرق الأبيض بأفضل جزء من سطح العالم الجديد".
- "يمكنني أن أظهر … أن الانتقاء الطبيعي قام … بالكثير من أجل تقدم الحضارة مما يبدو أنكم ملتم إلى الاعتراف به …فإذا تطلعنا الى العالم في زمن ليس ببعيد جداً، نجد ان العروق المتحضرة الأعلى قضت على عدد لانهائي من العروق الدنيا في كل انحاء العالم."
- "الأجناس المتحضرة للإنسان ستبيد و ستستبدل في جميع أنحاء العالم الأجناس الهمجية "
- "إن قناعتي الراسخة هي أنه إذا لم تعتمد إصلاحات واسعة النطاق لتحسين النسل خلال المائة سنة القادمة أو نحو ذلك، فإن حضارتنا الغربية محكوماً عليها حتما بأن تنحل ببطء وتدريجي مثل ذلك الذي شهدته في الماضي كل حضارة قديمة عظيمة".
- "أعتقد أن المزارع يحل محل الهندي لأنه يفكر في المروج الخضراء، وهكذا يجعل نفسه أقوى وأكثر طبيعية في بعض النواحي."
- "وهل من المفترض أن الهمجي الهائم لديه ارتباط أقوى بمنزله من المسيحي المستقر المتحضر؟ سياسة الحكومة العامة تجاه الرجل الأحمر ليست ليبرالية فقط، بل سخية ... لإنقاذه من ... إبادة كاملة، تقدم له الحكومة العامة بلطف بيتاً جديداً، وتقترح دفع كامل نفقات إزالته ".
- "زوال [الشعوب الأصلية] من الأسرة البشرية لن يكون خسارة كبيرة للعالم"
أوه، هم جميعاً ليبراليون ثانيةً:
- ماديسون جرانت، مفكر وناشط بارز في العصر التقدمي.
- جرانت ثانيةً
- ثيودور روزفلت، رئيس جمهوري، بطل على النهاية التقدمية للليبرالية\
- هذا هو ثيودور أيضاً
- تشارلز داروين، العالِم النهائي
- أيضاً تشارلز داروين
- ليونارد داروين، سياسي اتحاد ليبرالي وابن تشارلز
- هنري دافيد ثورو، الهيبي المشهور
- أندرو جاكسون، الذي باع درب (الدموع) إلى الكونغرس
- هنري كلاي، وزير خارجية الولايات المتحدة (الديمقراطي -الجمهوري)
لنجرب مرة أخرى
- " كان الرجال البيض يندفعون بدافع المحافظة على انفسهم -إلى أن ظهرت أخيراً امبراطورية جنوبية حقيقية تدعى كو كلوكس كلان لحماية البلد الجنوبي."
- "فيما يتعلق بهجرة العمال المهاجرين من الصين واليابان، أؤيد سياسة الإقصاء الوطنية. لا يمكننا أن نجعل من السكان الذين لا يندمجون مع العرق القوقازي شعباً متجانساً … وستعطينا مطية الحمية الشرقية مشكلة عرقية أخرى لنحلها، ومن المؤكد أننا حصلنا على درسنا ".
- "سيتم القضاء على الـ (الزنجي) مثل الـ (الإنجون): إنه قانون الأجناس و التاريخ، وما إلى ذلك"
- "قم أيها الرجل الأبيض و تحمل العبء-/أرسل أفضل سلالة لك -/قم بإلزام أبنائك بالنفي/ لخدمة احتياجات أسراكم ؛ / الانتظار في سرج الحصان الثقيل / ضدالناس الهمجيين و البربريين- / شعوبك المتوحشة الجديدة ، / نصف شيطان ونصف طفل. "
- "ليس هناك حلم أمريكي. هناك فقط الحلم الأمريكي الذي خلقه المجتمع الأنجلو بروتستانتي ولن يشارك المكسيكيون الأميركيون في هذا الحلم وفي ذلك المجتمع إلا إذا كانوا يحلمون باللغة الإنجليزية ".
- "تنتشر المسيحية في المقام الأول عن طريق التبشير والإسلام عن طريق التوبة وكثرة الإنجاب".
- "إذا اضطررنا إلى رفع الأحقاد ضد أي قبيلة ، فلن نضعها أبدًا حتى يتم إبادة تلك القبيلة …"
- "احتشد هؤلاء الرجال إلى السهول، وكانوا محفزين … بخطر نشوب حرب هندية … أسفرت عن النتيجة التي نتمتع بها اليوم، حيث … استبدلوا الجواميس البرية بقطعان أكثر عدداً من الماشية الأليفة، ومن خلال استبدال الهنود عديمي الفائدة بالملاك الأذكياء للمزارع المنتجة ومزارع الماشية".
- "خُلقوا في وسط عرق آخر متفوق، ودون تقدير أسباب نقصانهم أو السعي للسيطرة عليهم، كان لا بد أن يستسلموا لقوة الظروف حيثما يختفوا"
- " غالبا ما يكون [الأطفال السود] اولاداً من النوع الذي يطلق عليه المفترسون الفائقون-لا ضمير ولا تعاطف. ويمكننا ان نتحدث عن سبب انتهائهم بهذه الطريقة، ولكن اولاً، يجب أن نُخضِعَهم."
هل هناك أي اقتباس لفاشي بيئي ضمن هؤلاء؟ كلا، إنهم الليبراليون فقط مرة أخرى:
- وودرو ويلسون، الرئيس الديمقراطي والليبرالي التقدمي
- ويلسون مرة أخري
- والت ويتمان، الشاعر الأمريكي الراديكالي
- روديارد كيبلينغ، الشاعر الإنجليزي أقل راديكالية
- صامويل هنتينغتون، المدير السابق لمركز هارفارد للشؤون الدولية (معقل الليبرالية)
- هنتنغتون مرة أخرى
- توماس جيفرسون، الأب المؤسس للولايات المتحدة ضد الأمريكيين الأصليين
- وليام شيرمان، جنرال جيش الاتحاد "أول جنرال حديث"، ورجل الأعمال الليبرالي
- أندرو جاكسون، الرئيس الديمقراطي
- هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية (الديمقراطية) والبطل الليبرالي
قد تقول: "آه حسنا، الليبرالية لها تاريخ عنصري طويل، ولكننا في حالة أفضل الآن! " لكن قومية البيض التي تقوم بالإبادة الجماعية ليست مشكلة في الرأسمالية الغربية، إنها سمة. وقد عبّر عنه مؤيدوه في القرون الـ ١٨، الـ ١٩، والـ ٢٠ علانية، ولا يُفصح عنه اليوم سوى بشكل أقل بقليل. والواقع أن تشارلز موراي يروج حالياً لهذا النوع من علم الأعراق في أوائل القرن العشرين والذي قاد إلى حركة تحسين النسل (وألهم هتلر)، ويكتسب الشرعية من قِبَل "عقلانيين" مثل ستيفن بينكر وسام هاريس اللذين يؤمنان بأسطورة مكانة الرأسمالية الليبرالية على قمة التاريخ. ومؤخراً قال ريتشارد دوكينز إن تحسين النسل "يجب أن يُفّعل في الممارسة العملية على البشر" (و علق متابعاً على أن تعليقه لا يشير إلى أن تحسين النسل أمر مرغوب فيه، ولكن الأمر أشبه بقول إن الإبادة الجماعية من شأنها أن "تُفّعل في الممارسة العملية"، ثم ينزعج حين يتفاعل الناس مع رعب ناتج من تغريدته. ومن الصعب بشكل خاص أن نكون محببين إزاء التأملات في علم تحسين النسل التي تأتيك من شخص له تاريخ مع التعصب الأعمى غير المبرر).
وتجد أيضاً هذا النوع من القومية البيضاء التي عبر عنها أشخاص مثل هيلاري كلينتون في خطابها "المفترسين"، واستخدامها في الماضي للعمل القسري في السجون، وحرصها لقصف دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وتشاهدون ذلك في الهجوم الاستبدادي العسكري الذي شنه جوستين ترودو على الشعوب الأصلية مثل 'ويتسويت' و 'الإسكيمو' و 'ميتيس'، وكل ذلك من أجل نقل البترول المتسرب إلى المنطقة. أو في معاملة أوباما لمواطني الأمم الأولى الذين يحتجون على خط أنابيب النفط باكن (داكوتا أكسس). وتشاهدون في المملكة المتحدة أن رئيس الوزراء و المعجب الأكبر بتشرشل بوريس جونسون يقرأ قصيدة للشاعر الإمبريالي كيبلينغ في مستعمرة بريطانية سابقة، أو يكتب أن "المشكلة [مع أفريقيا] ليست أننا كنا ذات يوم في موقع المسؤولية، بل أننا لم نعد في موقع المسؤولية بعد الآن." وترى ذلك في الرد الليبرالي على COVID-19، والذي يبدو جزئياً على الأقل، "دعوا الناس يموتون لإنقاذ سوق الأسهم. "وترى ذلك فى بيانات الرئيس البرازيلي جاير بولسونارو، بطل الصحف الليبرالية مثل فاينانشيال تايمز وصحيفة وول ستريت جورنال - يحبه المستثمرون - الذي واصل مشروع المستوطنين بقتل السكان الأصليين أو إبعادهم من أجل الوصول إلى الموارد اللازمة للأسواق الحرة. والواقع أن بولسونارو وترامب ذاته يمثلان الامتدادات المنطقية الضرورية لإيديولوجية بديهية وحيدة تتلخص في تحويل كل شبر من الأرض والمياه إلى ثروة مملوكة فردياً. وعلى الرغم من التسميات السياسية كـ "المحافظ" أو "اليميني"، إلا أن بولسونارو و ترامب و بوريس جونسون بالكاد يسيئون إلى المشاعر الرأسمالية الليبرالية؛ بدلاً من ذلك، فإنهم يمثلون ترجمتها الصادقة.
وسوف يستمر الحاضرون في خطاب دافوس لـ جين جودل أيضاً في الترؤس السعيد للقضاء على السكان المهمشين ــ الحيوانات أو البشر ــ أو استغلالهم ما دامت هذه التكتيكات تعمل على توسيع حيز السوق المحرر. لا تحتاج إلى أن تكون قناصاً ماهراً لارتكاب العنف القومي الجماعي، أو تحمل آراء ضمنية (أو صريحة) لتحسين النسل والإبادة الجماعية. و التركيز علي الفاشية البيئية كـ تهديد جديد ــ يتم تصوير الأمر كذلك على شبكة الإنترنت بشكل دوري، الذئب الوحيد، الإنجيلات الوثنية ــ فتجعل الليبراليين الأكثر تفاهة، بل وربما الأكثر خطورة، العنصريين، بعيدين كل البعد عن خطاف صنارتنا. وفي أعقاب حادثة إطلاق النار في نيوزيلندا، ظهر مستشار الرئيس كيليان كونواي على شاشات التلفزيون وحاول إبعاد إيديولوجية ترامب عن إيديولوجية مطلق النار في المسجد، واصفاً الأخير بأنه "إرهابي إيكولوجي/بيئي" و "ناشط طبيعي إيكولوجي". وفي الوقت نفسه، امتدح مطلق النار نفسه ترامب بوصفه " رمزاً للهوية البيضاء المتجددة." يستطيع ساسة المؤسسة أن يدعوا أن هذا النوع من العنف الذي يمارسه الذئاب المنفردة لا تماثل استبدادية ترامب الفجة أو سياسة كلينتون الخارجية "العضلية" لأن اليسار يعمل على حماية البيئة. وبما أن الإرهابيين يستخدمون لغة صريحة ومبتذلة بدلاً من صفارات الكلب الصاخبة أو الصامتة، ولأن الرماة الفاشيين الإيكولوجيين يستخدمون أسلحتهم الخاصة بدلاً من الاختباء خلف الأسلحة النارية العسكرية وأسلحة الشرطة لممارسة القتل الجماعي، فإن مطلق النار في نيوزيلندا لابد أن ينتمي إلى فريق أنصار حماية أنصار البيئة المتطرفين، وليس إلى الليبراليين الاقتصاديين الذين يخشون رأس المال.
لكن الليبراليين الاقتصاديين لا يكتفون باستخدام فاشيي الذئاب المنفردين للنأي بأنفسهم عن النتائج القاتلة المترتبة على نظرتهم العنصرية الاجتماعية الداروينية للتقدم والسيطرة. هم يستخدمون أيضاً غطاء من حماية البيئة لتبرير استخدام الرأسمالية العنيف لكل شيء. على سبيل المثال، ربما سمعتم بحركة نخبوية تدعى "eomodernism" (وربما تكون المنظمة الأبرز هو معهد Breakthrough ). تعمل Ecomodernism بنشاط على إدامة أسطورة مفادها أن النمو اللامحدود، والشركات الخيرية المتعددة الجنسيات، والإفراط المستمر في استغلال البشر والموارد الطبيعية، من شأنها أن تؤدي إلى تحقيق يوتيوبيات تكنولوجية حيث تصبح الحياة على نحو ما بعيدة عن الواقع المادي. ويرفض معهد Breakthrough صراحة الفكرة القائلة بأن الرأسمالية موجودة أصلا (انظر: "أسطورة النظام الرأسمالي")، ويروجون الأسطورة المفندة بأن الاقتصادات يمكن فصلها عن الحدود المادية. ويرفض تيد نوردهاوس، وهو أحد أكثر دعاة البيئة صخباً، فكرة أن القدرة الاستيعابية لابد أن تضع حدوداً للنمو الاقتصادي. وفي مقال معهد Breakthrough بعنوان "تحديث الليبرالية"، يقترح المحررون ما يلي: "المفتاح إلى توفير المزيد من الفرص الاقتصادية والحركة الإجتماعية للفقراء يتلخص في تسريع وتيرة النمو الاقتصادي، وليس إعادة توزيع الثروة." إن Ecomodernism، التي يناصرها الليبراليون من أهل النخبة (وفي بعض الأحيان من غير الأكفاء)، ترفض الفكرة القائلة بأن الأنشطة الرأسمالية المكثفة التي يقوم بها البشر على وجه التحديد ستتراجع؛ إنهم يدافعون في الواقع عن تكثيف استخراج واستهلاك الرأسمالية الحديثة المحموم بالفعل. هؤلاء هم الناس على ظهر تيتانيك الذين يصرخون لزيادة سرعة السفينة للإصطدام بجبل الجليد فى وقت أقل.
إن الخيال البيئي المعاصر ــ بشكل أساسي نقطة النهاية المنطقية لافتراض الرأسماليين الليبراليين الذي لا شك فيه بأن النمو من الممكن أن يستمر إلى الأبد ــ من المحتم أن يؤدي إلى انهيار أعداد البشر والحيوانات والصراع الشديد على الموارد المتضائلة، وزيادة الفقر بين الفقراء بالفعل، والاستمرار في القضاء على التنوع البيولوجي (وهو ليس قيماً جوهرياً فحسب، بل وأساسي لازدهار البشر). إن زواج أنصار حماية البيئة والرأسمالية الاستعمارية يرجع تاريخه إلى ثيودور روزفلت ونادي النخبة من المحافظين العنصريين، إن لم يكن في وقت أسبق. ولكن التكرار الأحدث والأوثق صلة كان موضحاً في الأساس من قِبَل فريد كروب رئيس صندوق الدفاع البيئي في مقال نشرته صحيفة وال ستريت جورنال في عام 1986. في مقالة الرأي، دافع كروب عما أسماه "المرحلة الثالثة" من حماية البيئة، داعياً المجموعات الخضراء إلى تبني الشركات، والرأسمالية، ونظرية الإدارة الليبرالية. وفي تحديث عام 2018 للمقال، أشاد كروب بالنجاح الذي حققه في المساعدة على جلب "موجة بيئية جديدة رابعة" قائلاً: "إن النهج القائم على السوق والشراكات مع الشركات هي ممارسة متبعة اليوم [في المجتمع البيئي]. " إنه محق، إنهم كذلك. ولم تقتصر هذه الشراكات على عدم القيام بأي شيء لإبطاء أو وقف الانحدار السريع إلى جحيم بيئي خلال السنوات الـ 35 الماضية، بل ساعدت على التعجيل بالأزمات المناخية و البيئية، إلى جانب القضاء على السكان المهمشين أو إقصائهم.
فمنذ ثمانينيات القرن العشرين، "تحولت الأجندة البيئية إلى أجندة شراكات إلى حد كبير"، وفقاً للأستاذة السياسية بجامعة شيفيلد جينفيف ليبارون. ونتيجة لهذا فقد نجحت الحركة البيئية المحررة في استبعاد العديد من الأصوات الراديكالية وأصوات الشعوب الأصلية التي كان بوسعها أن تنفذ حلولاً أكثر تأثيراً. حتى أن ناعومي كلاين، الناشطة في مجال المناخ والمؤلفة، ذهبت إلى حد القول بأن هذه "المجموعات الخضراء الكبيرة" قد أضرت بجهود إزالة الكربون أكثر حتى من جماعات إنكار المناخ اليمينية، فمنحت قدراً من الاحترام للشركات ذاتها التي تدفع التنمية الشاملة. ان الكلمة الدارجة لهذا الاسم، « الغسيل الاخضر»، تُستعمل في معظم الشركات الضخمة وربما أكثرهم اتقاناً لهذا الإستخدام شركة شل. فقد أنفقت شركة النفط هذه قدراً كبيراً من المال على حملة تسويقية روجت لاستثماراتها في مشاريع متجددة، ثم عمدت إلى تقليص هذه الاستثمارات إلى حد كبير بمجرد ظهور إعلاناتها. وفي مختلف أنحاء العالم، تقتل شركات الغسيل الأخضر أو عملاؤها أعداداً قياسية من الناشطين في مجال البيئة الذين يقفون في طريقهم. كما أنهم يقتلون السكان الأصليين لأخذ أراضيهم وفتح المزيد من البراري وأراضي السكان الأصليين لأسواق الشركات. ومن ناحية أخرى، تستمر معدلات انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري في تحطيم الأرقام القياسية وتسارع معدلات الانقراض الجماعي.
ورغم أننا رأينا حتى الآن اثنين على الأقل من مطلقى النار على الجماعات من أنصار النظام البيئي الفاسدين (الآخر في إل باسو)، وقد نرى المزيد في المستقبل، فأظن أنه من المنصف أن نقول إن أشد الناس خطورة اليوم هم الليبراليون المحترمون الأقوياء الذين يعملون بفعالية على صيانة الأنظمة التي تدفع الانهيار البيئي في حين يقللون من حجم الأزمة والحاجة إلى اتخاذ إجراءات دراماتيكية. بل إننا نجدهم يبنون حواجز لا يمكن تجاوزها حتى للتوصل إلى حلول توفيقية بسيطة للغاية مثل الاتفاق الأخضر الجديد. فقد اتحد الليبراليون الاقتصاديون في الولايات المتحدة الآن وراء شخصين: جو بايدن، العنصري العريق الذي لا ترقى خطته المناخية، إن كان يمكن القول إنها خطة، إلى ما هو ضروري لتجنب معاناة لم يسبق لها مثيل، ودونالد ترامب، الذي قام مؤخراً بإنقاذ صناعة النفط في الولايات المتحدة ويعتقد علناً في علم تحسين النسل العرقي. وسوف يتآمر الرجلان بكل سرور لمواصلة مشروع استغلال وتدمير الحياة المهمشة، سواء كانت بشرية أو غير بشرية.
إن الرأسمالية الليبرالية، سواء من خلال الغسل الأخضر الشركات أو التستر وراء (بينما تنأى بنفسها عن) الوجه القبيح للفاشية الإيكولوجية، سوف تميل دوماً إلى تفضيل سكان معينين من الأثرياء في صراع مع طبقة عمالية. كما عملت البلدان "غير الغربية" التي تبنت عناصر من الليبرالية الاقتصادية الأوروبية، مثل الصين والهند، على تطوير نسختها الخاصة من عمليات التطهير السكاني هذه، سواء كان ذلك عن طريق التفوق العرقي للهان أو التفوق الهندوسي. وبالإضافة إلى إشادة ترامب، أشاد مطلق النار بمسجد كرايستشيرش أيضا بالطريقة التي تتعامل بها الصين مع أقلياتها العرقية. تتلخص طريقة مودي و شي في معاملتهم المستمرة للإبادة الجماعية للسكان غير المحظوظين مرة أخرى في الليبرالية الاقتصادية التي تسعى إلى القضاء على ما تعتبره فائض العمالة لتعظيم استغلال الموارد الطبيعية لتحقيق الربح الخاص.
ومع وجود الليبرالية على رأس السلطة، فإن هذه العملية الاستخراجية القاتلة سوف تستمر بلا أدنى شك في ظل التسارع الشديد الذي يشهده تغير المناخ. فنحن نتحدث، في نهاية المطاف، عن السليل الحديث لنفس الليبرالية التي أبادت أكثر من 100 مليون أمريكي أصلي ؛ والواقع أن العديد من الناس قُتِلوا في الأميركيتين حتى أن ذلك ربما كان سبباً مباشراً في إحداث حدث تبريد عالمي. وهذه هي الليبرالية التي أبادت 62 مليون هندي في ظل الحكم البريطاني، وهي الليبرالية التي أبادت ملايين لا حصر لها من الكونغوليين في ظل الحكم البلجيكي من أجل الوصول إلى الموارد الطبيعية. وسوف يستمر أنصار الليبرالية الإقتصادية في إبادة السكان غير المحظوذين مع اشتداد حدة الأزمات البيئية، وترك أهل النخبة في اختيار من ينقذون ومن يلعنون. وبالتركيز على الفاشية البيئية كتهديد جديد وككيان منفصل، نواصل تحصين الجمود العام القوي ضد أي شيء يسمى "بيئي". بينما نشعر بالذعر من وحش جديد مخيف ، فإننا نبعد المراقبة عن الأكثر دموية بالفعل.
إرسال تعليق