كنت مستلقيًا على الأرض، وأنا أحدق في شمس أفريقيا، عندما وقعت سيوفهم عليّ. كان الحشد يضم حوالي مائة شخص، جميعهم مسلمون يصرخون بصوت متشوش. أولاً بدأوا في تقطيع ذراعي. ثم، بعد أن فتحوا قميصي، قاموا بتقطيع جسدي. كانت عيناي مغلقتين بسبب الألم في الوقت الذي شعرت فيه بشفرة تمر عبر حنجرتي بقوة. ظننت أنني سأموت هناك، في ذلك الحي الفقير في ديربان، حيث قررت الذهاب للتجوال في تلك الليلة، على الرغم من تحذيرات الجنوب الأفريقيين من الطبقة المتوسطة.
قبل دقائق قليلة من ذلك، كنت قد لفعت ركنًا ووجدت نفسي في وسط حشد من المسلمين الأفارقة والهنود. ثم كنت مستلقيًا على الأرض، يتم نحري بسيوف. عندما انتهوا من حنجرتي، سحبتني عشرات الأيدي ليقفزوني لأعلى مرة أخرى. كنت مغمورًا بالدماء، ففتحت عيني واكتشفت أنه مجرد عرق. لم يكن هناك حتى نزيف، على الرغم من أن الخطوط القرمزية من ضربات السيوف تركت آثارًا على جلدي لعدة أشهر. الجميع كان يصرخ ومتحمس. كان ذلك معجزة، عرضًا للإيمان والقوة كان الأفارقة الذين كانوا يحملون السيوف محترفين فيه. إنهم الرفاعية، جماعة صوفية من الطبقة الدنيا.
لم يعد هؤلاء الرفاعية كثر الآن، ولكن قبل قرن من الزمان كانوا كافيين بما يكفي ليطلق عليهم المسافرون اسمًا خاصًا. سُميوا بـ "الدراويش الصاخبين"، كنظير أكثر خشونة لاسم لـ "الدراويش الدوارة" الاسم الأنيق. ظل هذا الاسم الأخير كتعبير شائع عندما تم نسيان اسم "الدراويش الصاخبين". ولكن هذا الاسم المهين يخفي تاريخ تشابك بين الأوروبيين والمسلمين أعاد تعريف الإسلام الذي نطلق عليه الآن "الصوفية". قرر العلماء الأوروبيون والإصلاحيون المسلمون معًا أن التقاليد الشعبية والاحتفالية لمثل هؤلاء الدراويش ليست إسلامًا حقيقيًا، ولا حتى تصوفًا حقيقيًا.
كتب دبلوماسي في شركة الهند الشرقية اسمه جون مالكولم في كتابه "تاريخ بلاد فارس" (1815) أن الإسلام الصوفي "هو حلم الجاهل و العالم". بعد قرنين من الزمان، يمكن أن يكون قول مالكولم بداية جيدة للتفكير في الإسلام الصوفي المعروف باسم الصوفية. فهو من جهة، يتضمن الكثير من الممارسات الشعبية في الدين الإسلامي: إنه إسلام يتعلق بأولياء الله ومعجزاتهم وزيارة أضرحتهم والعروض الشعبية الكاريزمية من النوع الذي رأيته في ديربان. ومن جهة أخرى، يتألف من مؤلفات معقدة للغاية في الفلسفة العربية. وتتناول هذه الصوفية الفلسفية مذاهب مثل "اندثار الذات السفلي" ومعنى الحروف السرية في القرآن و"نور محمد" الظاهر عند الإشراق من نور الخالق.
في الوقت نفسه، تتضمن الصوفية تقاليد شعرية غنية لا تُحصى مكتوبة باللغة العربية والفارسية والأردية والعديد من اللغات الأخرى. الغرب يعرف القليل عن هذه الأدبيات. هذا العلم التائه يشكل خسارة للمسلمين وغير المسلمين على حد سواء، لأن مثل هذا الشعر - وسخريته وتحطيمه للأيقونات - يشكل شهادة أدبية تاريخية للإنسانية المشتركة.
شعر الصوفية مليء بالفكاهة والعلم والجرأة. تضم القصائد السردية الفارسية للشاعر الصوفي في القرن الثالث عشر جلال الدين الرومي العديد من التلميحات الجنسية والصور المباشرة لدرجة أن رينولد ألين نيكولسون، أستاذ جامعة كامبريدج الذي قام بترجمتها في أوائل القرن العشرين، قام بترجمة تلك الأجزاء بخجل إلى اللاتينية. "Materterae si testiculi essent, ea avunculus esset" هو عبارة من حكايات الرومي الأكثر جرأة: "إذا كانت لدى العمة أي كرات، فإنها ستكون عماً". إحدى الحكايات للرومي التى تشعرك بالخجل تتضمن علاقة جنسية مع حمار مجهز بشكل جيد. تم حذف مثل هذه الأقسام من مختارات شعر الرومي التي دفع تحمس مادونا - مغنية البوب الشهيرة- بها إلى وضعها في قائمة الكتب الأكثر مبيعًا في الولايات المتحدة قبل بضع سنوات.
تلك الأبيات الساخرة الفاضحة لا تتناسب مع الانطباعات الحالية عن الإسلام، سواء كانت مكتسبة أو شعبية أصيلة. إنها استئصال خطير. حذف التاريخ الغني لهذه الفترة يشجع على سوء الفهم بأن المحافظين في الوقت الحاضر لديهم مطالبة أفضل بالأصالة الثقافية والدينية على حساب الليبراليين المسلمين اليوم.
الأكثر شعبية في الماضي والحاضر من هذه القصص الفاضحة كان التقليد الغنائي لشعر الصوفية، حيث يتحدث الشاعر الجائر بلغة الطبقات الأدنى فى المجتمع، فيتخذ هيئة شخص مشرد. على حد تعبير شاعر العصور الوسطى جمالي دهلوي، فإن المسلم هو الباحث الذي يتجول في الأرض بحثًا عن الحبيب الذي رآه ذات مرة:
استمع يا صغيري إلى حكايات من يتجول في الحانة،
لتتمكن أنت أيضًا من التجول في نفس الطريق.
من يصبح قاطع طريق على طريق الله
سيتجه إلى الحانة بمجرد أن يرى النور
جمالي دهلوي شخص يشبه إلى حد ما الشاعر الفرنسي المعروف آرثر رامبو فى القرن التاسع عشر، الذي -ومثل دهلوي- استكشف أعماق النفي الذاتي قبل أن يجد طرقًا جسدية أبسط لتحرير روحه. قام رامبو -مثل العديد من الصوفيين- بتخليد إنسانيته المعذبة في الشعر قبل أن يمضي بعيدًا إلى غروب الشمس ويختفي في أفريقيا.
هناك تشابه آخر بينهم: يقوم القراء المسحورين بشعره بزيارات خاصة إلى قبر رامبو في منزله بشارلفيل، في آردان الإقليمية. ومع ذلك، لا يمكن أن تقارن زياراتهم من حيث الحجم مع التبجيل الذي يُظهره المريدون في زياراتهم الجماعية إلى قبور شعراء الصوفية في جنوب آسيا.
كل عام، تُظهر الآلاف من الاحتفالات في جميع أنحاء أضرحة أولياء الله الصوفية حيوية شعر الصوفية سواء في الهند أوباكستان أوبنجلاديش . تنتشر هذه الأضرحة في المدينة والريف، وتشكل مركزًا للحياة الروحية لعشرات الملايين من المسلمين. أبوابهم وطقوسهم مفتوحة أمام أشخاص من أي خلفية دينية؛ وبالتالي، فإن الأضرحة الصوفية في الهند لا تزال تلعب دورًا مهمًا في الحياة الدينية للعديد من الهندوس والسيخ. تمثل أعمال فريد الدين مسعود -الشاعر الصوفي البنجابي في القرن الثالث عشر- مثالًا على هذا التاريخ الطويل للتعايش الديني، حيث تشكل قصائده أقدم أجزاء الكتب المقدسة للسيخ.
قصائد فريد لا تزال تُقرأ في معابد السيخ حول العالم. في إحدى الآيات من الآدي غرانث (الكتاب المقدس أو "الكتاب الأول" في السيخية)، يعلن فريد بلهجة البنجابية الريفية والبسيطة:
"آپ لائے لار لائے در درویش سے"
الترجمة: أولئك الذين مهيمون برداء الحقيقة هم متشردون حقيقيون على عتبة الباب.
الباحث عن الحقيقة يجب أن يصبح متسولًا بلا مأوى. الكلمة التي يستخدمها فريد هي "درويش" - حرفياً، شخص متجوّل يذهب من باب إلى باب. اقرأ مرة أخرى تلك الجملة التي تتكرر من اللغة البنجابية: "آپ لائے لار لائے در درویش سے". إنها تحمل إيقاعًا بسيطًا من التكرار، نداء متسول الحب الذي يجوب من منزل إلى منزل.
فما وصفه الفيلسوف الألماني ماكس فيبر بـ"فقدان العالم للسحر"، وتشويه الحداثة لسمعة كل ما هو خارق للطبيعة وسحري، لم يكن أمرًا جيدًا بالنسبة لهؤلاء المتسولين، هؤلاء القوافي الصوفية، خاصة بين الطبقات الوسطى المسلمة. لكن أماكن أضرحتهم ما زالت تحتفظ بجاذبيتها بشكل كبير، خصوصًا بين السكان الفقراء وغير المتعلمين. ولذلك قام المتشددون، سواء كان طالبان الباكستانية أو الحكومة السعودية أو داعش، بتدمير العديد من أضرحة الصوفية وأماكن الزيارة الخاصة بهم. الشعر الذي يُنشد في تلك الأماكن يحتفي ويعزز إسلامًا يرفض السلطة السياسية، إسلامًا لا يتفق مع طموحات الأصولية الدينية. إنه إسلام متنافر مع الإسلام السياسي، الذي يرى في السلطة السياسية أساس الدين. على الرغم من أن جميع أشكال الإسلام الصوفي ليست غير سياسية، إلا أن صوفية الدراويش أنكرت السلطة السياسية كعقبة كبيرة على الطريق الطويل إلى الحبيب الإلهي. إنه روح إسلام ما زالت حية إلى حد كبير.
حضرت موالد الأضرحة من المغرب إلى باكستان حيث يجتمع المئات لسماع الشعر الصوفي الذي يغنى حتى يبكي الجمهور. تُسمى هذه الحفلات "ليلة" باللغة العربية و"محفل سماع" باللغة الفارسية. إنها استمرار للعادة الصوفية القديمة للتواصل النشوي مع الله من خلال الموسيقى. تحكي إحدى القصص عن كيفية سماع أحد الصوفيين الهنود القدامى الكلمات التالية مغناة في حفل موسيقي من هذا النوع في دلهي:
كل قوم لديه طريق ودين ومكان عبادة،
ولكنني، أتلو صلواتي للجمال بالقبعة المائلة.
إنها صورة مُلهِمة، تلك "القبعة المائلة"، يمكن أن نتخيّل فيها إعلانًا لعطر شانيل. عندما سمع الصوفي في دلهي القديمة تلك الكلمات، سقط في حالة من النشوة من أجل حبيبه، ثم سقط وتوفي من الحزن. في حفلات الصوفيين في الهند وباكستان، شاهدت العديد من المشاهد المليئة بالنشوة، حيث يقف السامعون ويرقصون بجنون و الدموع منهمرة.
في قصيدة فارسية محبوبة من قبل مطربي القوالي حتى يومنا هذا، وضع الشاعر القرن الرابع عشر أمير خسرو الحب فوق العقائد الدينية:
أنا كافر في العشق؛ لا ناقة لي بعقيدة المسلمين.
أوردتي مشدودة كالسلك؛ ليس لدي حاجة لحزام الهندوس المقدس.
اذهب بعيدًا عن سرير مرضي يا طبيب جاهل؛
فللمغرمين بالعشق، العلاج الوحيد هو لمحة من الحبيب.
شهرة قصائد خسرو المستدامة تعد مثالًا واحدًا فقط على استمرار التقاليد الكلاسيكية للإسلام الصوفي في الاحتفالات والعروض الحالية. قد أوضح النبي محمد نفس الجمع بين الحسي والروحي عندما قال: "حُبِّبَ إِلَىَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ"
لفترة طويلة، وجد علماء أوروبيون صعوبة في رؤية استمرار تأثير الصوفية. رأى آرثر أربيري -أستاذ اللغة العربية المستشرق في منتصف القرن العشرين في جامعة كامبريدج- أنه دليل تدهور بدلاً من كونه عظيماً. كتب أربيري في كتاب "الصوفية" (1950)، "كان لا مفر من أن تكون الجماهير الساذجة أكثر إعجابًا بالتظاهر بالمعجزات بديلاً عن التفاني الحقيقي، وذلك بمجرد أن أصبحت الأساطير المعجزات مرتبطة بأسماء الصوفيين الكبار". قد يكون التعرف على استمرارية الشعر العظيم والفلسفة للصوفيين القدامى قد أضعف من سلطة الاستعمار الأوروبي. وبدلاً من ذلك، أكد أربيري على الانحدار الذي دخله الإسلام عمومًا والإسلام الصوفي على وجه الخصوص. و واصل "إن عبادة الأولياء روجت للجهل والخرافات ، وخلطت بين الدجل والتأملات العميقة النبيلة".
المستشرقون مثل أربيري أخطأوا في رسم هذا الخط الفاصل بين عظمة المسلمين السلف وتدهور و انحطاط الخلف، بين ثقافة إسلامية عالية متهاوية وعالم مظلم من الطبقة الدنيا للمسلمين. كان تأثير هؤلاء المستشرقين قويًا لدرجة أنهم شكلوا الطريقة التي نظر بها المسلمون أنفسهم إلى تاريخهم. تعلم المسلمون المثقفون أن ينظروا بازدراء إلى إسلام "التدهور" الصوفي، إسلام الطبقات الفقيرة. ولكن في الأحياء الفقيرة في مدن العالم المسلم، يُقرأ الشعر الصوفي حتى اليوم. وبما أنهم أقل عرضة للتحدث باللغة الإنجليزية، ومن غير المرجح أن يجري الصحفيون الأجانب مقابلات معهم، فإن الغربيين لا يسمعون في كثير من الأحيان من الجموع التي يعتبر الإسلام بالنسبة لها شعراً صوفياً.
عصر الإمبريالية -الهيمنة الاستعمارية لغرب أوروبا على جزء كبير من العالم المسلم- لعب دورًا تأسيسيًا في تشكيل مواقف المسلمين وغير المسلمين تجاه الإسلام الصوفي. ومثل مستشرقي أوكسبريدج، ينظر الإسلاميون السياسيون بازدراء إلى الممارسات الدينية للمسلمين العاديين الذين يعيشون في آسيا وأفريقيا على أنها منحطة وفاسدة. الإمبريالية كانت أيضًا وراء الأمور التي أتينا بها للتعامل مع الإسلام الصوفي. الكلمات الأكثر شيوعًا التي كان بها يُعرف الصوفيون بلغاتهم الخاصة كانت "الفقير" و "الدرويش". كلاهما يشيران إلى الشخص الفقير و المشرد.
حكايات المسافرين الأوروبيين في الهند وإيران خلال عصر الإمبراطورية وصفت الفقراء والدرويش بأنهم عبيد قذرين ومدمنين للأفيون، وأشخاص بلا مأوى في الشوارع. وفي أواخر القرن التاسع عشر، أخذ المصلحون المسلمون هذا الانتقاد الاستعماري على محمل الجد. لقد ألقوا باللوم على الفقراء والدرويش - بعبارة أخرى، الصوفيين - ليس فقط على الانحطاط الديني المزعوم في الإسلام، ولكن أيضًا على فقدان العالم المسلم للقوة الاقتصادية والسياسية. تساهم السمعة السيئة التي أصابت الصوفيين من قبل المستعمرين والمصلحين المسلمين في تهميشهم في التمثيلات الغربية للإسلام. هذا التهميش يجعل من السهل بكثير على المتشددين أن يصوّروا أنفسهم كمتحدثين باسم الإسلام الأصيل. ومع ذلك، الإسلام بدون الصوفية كالفلسفة الفرنسية بدون وجودية، أو الشعر الفرنسي بدون رامبو.
وبشكل أكثر براجماتية، كان الدراويش قادة خطرين محتملين مناهضين للاستعمار. ففي الحرب المهدية (1881-1899)، قاد محمد أحمد بن عبد الله، زعيم صوفي سوداني، جيشه من الدراويش ضد قوات الجنرال غوردون في السودان. في السنوات التي تلت ذلك، أصبح "الدرويش" في الغرب رمزًا للتعصب وكذلك للانحطاط.
مؤخرًا في مكتبة بودليان في أكسفورد، وجدت كتاب "المسيرة إلى الخرطوم وسقوط أم درمان، 1898" (بثلاثة بنسات)، كتيبًا قصيرًا يحتوي على قصائد للجندي هنري سيرتيس تكريمًا "للجنرال غوردون والرجال الذين سقطوا خلال حملة السودان". تُظهِر قصائد الجندي سيرتيس الإمكانات السياسية للغة الروحية بوضوح:
نسينا المسيرات الشاقة
التي مررنا بها كل يوم.
توقفنا عند رغبتنا في جعل الدرويش
يدفع ثمن أخطائه السابقة.
أو:
أخذ الشاب يشجع نفسه،
وحاول مرة أخرى؛
وقبل دقيقة أخرى،
رأى ذلك الدرويش يموت.
مطبوعًا بخط عريض في نهاية كتيب الجندي سيرتيس توضح إحصائيات الوفيات، مؤشرات صادمة لوحشية الإمبريالية:
إجمالي القتلى والجرحى: الجانب الأنجلو-مصري - 50 قتيلاً، 342 جريحًا.
الجانب الدرويشي - حوالي 11,000 قتيل، حوالي 16,000 جريح.
من بين النتائج الغريبة لهزيمة المهدي كانت جمع جنود بريطانيين لأدوات الدراويش ونقلها من السودان كغنائم حرب. في الصفحات الأخيرة من مذكراته غير المنشورة، قام الجنرال السير أرشيبالد هنتر بإعداد قائمتين طويلتين لتحف الدراويش التي جمعها. اليوم، تقدم هذه الغنائم المادية أرشيفًا فريدًا لثقافة الصوفية الأفريقية. ستجد صعوبة في العثور على مثل هذه القطع الأثرية في مجموعات المتاحف لـ "الفن الإسلامي" من باريس إلى الدوحة، حيث يتم تمويل تلك المتاحف من قبل السعوديين ودول الخليج الأخرى: حيث لا يعتبر السعوديون أن مثل هذه الأشياء تمثل "الإسلام الحقيقي". ما زالت تلك العباءات المصبوغة بألوان زاهية والرايات العسكرية المحمولة من السودان متناثرة في ثكنات الفصائل العسكرية والقصور الرفيعة في جميع أنحاء بريطانيا حتى يومنا هذا، وتمنحنا لمحة غير عادية عن فن وتأثير الدرويش المعادي للاستعمار. تعلق أحدى هذه الجلابيات المرقعة في غرف الشاي السياحية في بلدة تشيلتنهام سبا في كوتسوولد. مكان مناسب لجوائز عميد البلدة إذا كانت موجودة، ولكنها مكان هامشي لعرض عباءة الدراويش.
مع ملابسهم الملونة المرقعة، صنع الدراويش الأقل حربا والأكثر نموذجية - "أولئك الذين تحطمت قلوبهم" كما يسمون أنفسهم غالبًا - منظرًا جميلاً. التقى المبشر ريجينالد هيبر خلال رحلته عبر شمال الهند في أوائل القرن التاسع عشر بشخصيتين من هذا القبيل. "شخصين من الدراويش، أشكال غريبة غير تقليدية، في ملابس ملونة مرقعة، مع حقائب كبيرة... الأكبر سنًا، رجل مسن محترم... رفع يده بكرامة كبيرة وصلى من أجلي." من حين لآخر، أثناء رحلاتي عبر إيران وباكستان ووسط آسيا الصينية، تعرضت للقاء الفقراء الصوفيين الذين لا يزالون يرتدون هذه الزي التقليدي.
قبل مئة عام، كان بإمكانك رؤية العديد منهم. في تحول القرن العشرين، شاهدت إيلا سايكس، واحدة من كبار المستكشفين الإنجليز، بانتظام وهي تعيش في كاشغر فيما هو الآن غرب الصين. وصفت سايكس كيف كان الناس ينتظرون وصول الدرويش وهم يغنون أغاني جديدة تم التقاطها خلال رحلاتهم. كما وصفت لنا الدرويش في إيران بشكل أكثر جمالاً: "إنهم شخصيات ملفتة للنظر، يرتدون ثيابًا بيضاء ذات نظافة مشكوك فيها، مع فراء فهود يتدلى على أكتافهم تحته أطوال شعورهم المجعد غير المرتب، ويمتلئون تحت قبعة مخروطية من الصوف، وغالبًا ما تكون مطرزة بنصوص. في بعض الأحيان يحملون وعاءً تسوليًا منحوتًا بشكل جميل، وينتقلون من مكان إلى مكان يتنبئون بالأقدار ويقدمون السحر وجرعات الحب." هؤلاء الدراويش يستحقون مكانهم المستحق في تاريخ الإسلام.
على الرغم من قيمة هذه القطع الفنية وحسابات المسافرين، إلا أن أكثر الطرق حيوية لاكتشاف التصوف هو من خلال شعره. أعظم شاعر صوفي هو الميرزا غالب الهندي، والذي يُعتبر أيضًا أعظم شاعر أردو. في شعره، تجد أعمق الدوافع الإنسانية والروحية للإسلام تجد أحدها من أجمل تعبيراته.
عندما يكون يتحدث عن الجنة، يستهزء غالب بها، يشكك فيها ويأمل فيها. هكذا يقول:
"أسخر منها،
لماذا يجب أن أثمن وصولي إلى الجنة،
لولا خمرها الأحمر ذو رائحة المسك؟
وأشك فيها،
أعلم الحقيقة، ولكن مهما كان،
حلم الجنة يبعد عني اليأس.
وأتمنى،
جيد جدا ما يقولونه عن الجنة –
كل ما يهمني هو أن يسمح لك الله بدخولها لتضيئها."
بالرغم من محاولته التعامل مع قضايا أخرى في شعره، إلا أن غالب لم يتجنب العالم السياسي والإمبراطوري. في عام 1842، لم تعد معاشه المتناقص كافيًا لدعمه. على الرغم من شهرته، سعى للحصول على وظيفة تدريس في كلية دلهي، التي أنشأتها الإدارة البريطانية في الهند. تم تحديد موعد لمقابلة عمل. وعند وصوله إلى الكلية، انتظر غالب خارجاً ليلتقي بمقابله، تمامًا كما يفعل السيد الرجل المغولي المتأخر. ومع ذلك، لكن لم يخرج أحد. الآداب تشير إلى أن غالب نفسه سيكون قد رحب بأي متسول متواضع قد أتى إلى بابه، لذلك شعر بالإهانة بشدة. فيما بعد، اعتذر الشخص الذي كان مفترض أن يقابله، السير جيمس توماسون، عن سوء الفهم الثقافي، حيث أوضح أنه كونها مقابلة رسمية وليست شخصية، فإن الآداب البريطانية تفرض على غالب أن يأتي إلى توماسون، كأي شخص يتلقى مقابلة.
خلال سنوات غالب الأخيرة، بعد تمرد الهند عام 1857 ضد شركة الهند الشرقية، دمرت القوات البريطانية والسيخية العاصمة القديمة لأباطرة المغول. كما روى غالب في رسائله بالأردية، أصبحت الظروف اليومية التي عاشها تقريباً لا تُحتمل بالكاد. ومع ذلك لم يفقد حس الدعابة التي عُرِف بها. في أحد القصائد، كتب غالب، مستهزئًا بنفسه، استشهادًا بتعليقات صديق عنه:
"كل هذه العمل الصوفي، يا غالب! والتفسيرات التي تُقدمها لنظرياتها!
كنا اعتبرناك قديسًا – لو لم تكن سكيرًا."
مثل كثير من الدراويش قبله، توفي غالب فقيرًا عام 1869. تشغل قصائده،كما هو الحال مع القصائد التي لا تزال تغنى في مقابر الأولياء الصوفيين من باكستان إلى مصر، فإن شعره ينخرط في حياة من المعضلات المشتركة المألوفة لأي شخص يعيش في العالم. تُجسد مثل هذه الشعر روح الإسلام الفكاهية والبليغة التي تجد أتباعًا مخلصين من مانيلا إلى مراكش. على الرغم من ندرة الرفاعيون الصاخبون الذين صنعوا معجزة بالنسبة لي في ديربان، فإن شعر الصوفيين لا يزال يُلقى فى حميع أنحاء العالم.
مترجم من Aeon
إرسال تعليق