كيفية فهم أرقام وفيات فيروس كورونا حول العالم

كيفية فهم أرقام وفيات فيروس كورونا حول العالم

المحتويات [إظهار]
 
في تكملة لمقاله الذي نشرناه من قبل فى المدونة يوضح دكتور جون لي الطريقة الصحيحة التى علينا أن نفهم بها و نتفكر فى البيانات المعطاة من عدد الإصابات و الوفيات الناجمة من فيروس كوفيد-19



المقال

نرى كل يوم الآن أرقاماً لوفيات جديدة بسبب كورونا. وغالباً ما يتم التعبير عن هذه الأرقام برسوم بيانية تبين ارتفاعاً هائلاً. ولكن يجب توخي الحذر عند قراءة هذه الأرقام (والإبلاغ عنها). ونظراً للاستجابة غير العادية لظهور هذا الفيروس، فمن الضروري أن تكون لدينا نظرة واضحة لما تقدمه وما تعنيه هذه الأرقام. فعالم الإبلاغ عن الأمراض له ديناميكياته الخاصة التي تستحق الفهم. ما مدى دقة هذه الأرقام و دقة تقارير المقارنة التي تقارن بين وفيات Covid-19 في بلدان مختلفة؟

وكثيرا ما نرى رقم معبر عنه بنسبة مئوية: نسبة الوفيات كنسبة من إجمالي الحالات. ويُعتبر هذا الرقم اشارة إلى كم هو مميت هذا الفيروس، لكنَّ النسب تتفاوت كثيراً. ففي الولايات المتحدة، 1.8% (2191 حالة وفاة من 124686حالة مؤكدة)، وإيطاليا 10.8%، وأسبانيا 8.2%، وألمانيا 0.8%، وفرنسا 6.1%، والمملكة المتحدة 6.0%، و اختلاف معدل الوفيات لنفس المرض بـ 15 مرة يبدو غريباً بين بلدان تبدو مماثلة: جميعها متقدمة النمو، وجميعها لديها نظم رعاية صحية جيدة. كلها تعالج نفس المرض.

قد تظن أنه من السهل حساب معدلات الوفيات. فالموت هو نقطة نهاية واضحة وسهلة القياس. في حياتي العملية (أنا أستاذ متقاعد في علم الأمراض) عادةً ما ألتقي بدراسات تعبر عن ذلك على نحو متماثل ومتناسب: عدد الوفيات في فترة زمنية معينة في منطقة مقسومة على عدد سكان تلك المنطقة. فعلى سبيل المثال، تحدث 10 وفيات لكل 1000 نسمة سنوياً. إذن أمامنا ثلاثة أرقام فقط:
  1. عدد السكان الذين أصيبوا بالمرض
  2. عدد الوفيات بسبب المرض
  3. الفترة الزمنية فى وقت حدوث ذلك

المشكلة هي أنه في أزمة Covid-19 ، كل واحد من هذه الأرقام غير واضح

١. لماذا الأرقام الخاصة بعدوى فيروس Covid-19 هي أرقام ناقصة إلى حد كبير

لنفترض أن هناك مرضاً يتسبب في ظهور بقعة أرجوانية كبيرة في منتصف جبينك بعد يومين ـ من السهل قياس هذا المرض. ويمكن لأي طبيب أن يشخص ذلك، وستكون الأرقام الوطنية بخصوص هذا المرض موثوقة. ولنتأمل الآن مرضاً يتسبب في ارتفاع متغير في درجات الحرارة والسعال على مدى فترة تتراوح ما بين 5 إلى 14 يوماً، فضلاً عن أعراض تنفسية متغيرة تتراوح ما بين بالكاد ظهور أعراض إلى اختلال حاد في الجهاز التنفسي. وجود مجموعة من الأعراض والعلامات لدى المرضى المصابين بهذا المرض ؛ تتداخل على مجال واسع مع أعراض مماثلة ناجمة عن العديد من الأمراض المعدية الأخرى. هل هو Covid-19، أنفلونزا موسمية، زكام أو شيء آخر؟ سيكون من المستحيل معرفة ذلك من خلال الفحص السريري.

الطريقة الوحيدة لتحديد و تأكيد المصابين بالمرض هي باستخدام اختبار مختبري يكون مخصصاً للمرض (يكتشف هذا المرض فقط وليس لأمراض مماثلة) وحساساً للمرض (يلتقط نسبة كبيرة من المصابين بهذا المرض، سواء كان شديداً أو خفيفاً). إن تطوير اختبارات دقيقة وموثوقة و محققة أمر صعب ويستغرق وقتًا. وفي الوقت الحالي، يتعين علينا أن نثق بأن الاختبارات المستخدمة تقيس ما نظن أنها عليه.

إلا أنه في ظل هذه الجائحة، حُجزت لوازم الاختبار بشكل أساسي للمرضى الذين أُدخِلوا المستشفيات والذين يعانون من أعراض ملحوظة. وأجريت اختبارات قليلة على المرضى ذوي الأعراض الخفيفة. وهذا يعني أن عدد الاختبارات الإيجابية سوف يكون أقل كثيراً من عدد الأشخاص الذين أصيبوا فعلياً بالمرض. وقد حاول السير باتريك فالانس، كبير المستشارين العلميين للحكومة البريطانية، التشديد على ذلك. واقترح أن يكون الرقم الحقيقي لعدد الحالات الإيجابية أكبر من الرقم الرسمي بما يتراوح بين 10 و 20 مرة. وإذا كان محقاً فإن معدل الوفيات الرئيسي بسبب هذا الفيروس (المشتق من الاختبارات المختبرية) سوف يكون أقل بنحو عشرة إلى عشرين مرة مما يبدو عليه من الأرقام المنشورة. وكلما ارتفع عدد الحالات غير المختبرة كلما انخفض معدل الوفيات الحقيقي.

2.  لماذا يعتبر تقدير وفيات Covid-19 مبالغاً فيه

ثم ماذا عن الوفيات؟ حرص العديد من المتحدثين الرسميين في مجال الصحة في المملكة المتحدة على القول مراراً وتكراراً إن الأرقام المذكورة في المملكة المتحدة تشير إلى الوفاة بالفيروس، وليس إلى الوفاة بسبب الفيروس -وهذا مهم. قال الأستاذ نيل فيرغسون من جامعة إمبيريال كوليدج في لندن وهو يدلي بشهادته في البرلمان قبل بضعة أيام إنه يتوقع الآن أقل من عشرين ألف حالة وفاة بـ Covid-19 في المملكة المتحدة، ولكن الأهم من ذلك أن ثلثي هؤلاء الناس كانوا سيموتون على أية حال. وبعبارة أخرى، يشير إلى أن الرقم الخام ‹ لوفيات كورونا› هو أكبر بثلاثة اضعاف من عدد الذين قتلهم بالفعل كوڤيد -١٩. (حتى رقم الثلثين هو تقديري ــ ولن يدهشني أن تكون النسبة الحقيقية أعلى).

إن هذا الفارق الدقيق أمر بالغ الأهمية ـ ليس فقط في فهم المرض، بل وأيضاً في فهم العبء الذي قد يفرضه على الخدمات الصحية في الأيام المقبلة. وللأسف يضيع الفرق في الأرقام المأخوذة من قاعدة البيانات المستخدمة لتتبع Covid-19: مركز موارد فيروس كورونا جونز هوبكنز. وقد جمعت قاعدة بيانات ضخمة، مع بيانات Covid-19 من جميع أنحاء العالم، يجري تحديثها يوميا -وتستخدم أرقامها في جميع أنحاء العالم لتتبع الفيروس. وهذه البيانات ليست موحدة ومن المحتمل بالتالي أن تكون غير قابلة للمقارنة، ومع ذلك فإن هذا التنبيه الهام نادراً ما يعبَّر عنه بالرسوم البيانية (الكثيرة) التي نراها. و بالتالي فهو يجازف بالمبالغة في جودة البيانات التي لدينا.

الفرق بين الموت 'مع' Covid-19 والموت 'بسبب' Covid-19 ليس فقط كتقسيم للشعر يمين و يسار. تأمل في بعض الامثلة: امرأة عمرها ٨٧ سنة مصابة بالخرف في دار للعجزة ؛ رجل في الـ 79 من عمره مصاب بسرطان المثانة رجل في التاسعة والعشرين من عمره مصاب بسرطان الدم وعولج بعلاج كيميائي ؛ امرأة في الـ 46 من عمرها مصابة بمرض العصبون الحركي لمدة سنتين جميعهم يصابون بعدوى في الصدر ويموتون. جميعهم كانت اختباراتهم إيجابية لـ Covid-19. ومع ذلك فقد كانوا جميعاً معرضين للوفاة بسبب عدوى الصدر الناجمة عن أي سبب معدي (بما في ذلك الأنفلونزا). ربما كان Covid-19 القشة الأخيرة، لكنه لم يتسبب في وفاتهم. تأمل في حالتين اخريين: رجل عمره ٧٥ سنة مصاب بنوبة قلبية خفيفة والتهاب في القصبات الهوائية ؛ امرأة في الخامسة والثلاثين من عمرها كانت في حالة صحية جيدة ولم تكن تعاني من حالات صحية معروفة. كلاهما أُصيبا بعدوى في الصدر وماتا، وكلتاهما شخصا بإيجاي بكوفيد-19. ففي الحالة الأولى، ليس من الواضح تماماً الوزن الذي يمكن وضعه على الحالات الموجودة مسبقاً مقابل العدوى الفيروسية -فإصدار هذا الحكم يتطلب وجود خبير سريري لفحص ملاحظات الحالة. ومن المعقول أن تُعزى الحالة الأخيرة إلى الوفاة التي يسببها Covid-19 ، بإفتراض صحة عدم وجود ظروف مستبطنة.

وتجدر الإشارة إلى أنه لا توجد طريقة قياسية دولية موحدة لتحديد أسباب الوفاة أو تسجيلها. وفي العادة، معظم وفيات الجهاز التنفسي لا تُسجل سبباً معيناً للعدوى، في حين يمكن للمرء في الوقت الحاضر أن يتوقع تسجيل جميع النتائج الإيجابية بـ Covid-19 كسبب أساسي للوفاة. مرة أخرى، هذا ليس تقسيماً للشعر. تصوروا فئة أصيب فيها المزيد والمزيد بمرض Covid-19. حيث خضع فيها كل مريض أو شحص يحتضر لإختبار الفيروس. ستبدو الوفيات على ما يبدو إنها ناجمة عن كوفيد-19 بنسبة 100% من معدل الوفيات الإجمالي. لكن هل يبدو أن سبب كل الوفيات هو كوفيد-19؟ لا. لذلك ستتم الإشارة إلى شدة الوباء بعدد الوفيات الإضافية (فوق المعدل الطبيعي) التي حدثت عموما.

3.  كوفيد-19 و الفترة الزمنية

وأخيراً، ماذا عن الفترة الزمنية؟ في سيناريو سريع التحرك مثل أزمة Covid-19، تقدم الأرقام اليومية لمحة سريعة فقط. إذا استغرق الناس وقتاً طويلاً حتى يموتوا بسبب مرض ما، فإن الحكم على معدل الوفيات الحقيقي سوف يستغرق بعض الوقت، وسوف تكون الأرقام الأولية أقل من الحقيقة. ولكن إذا مات الناس بسرعة شديدة بسبب المرض، فستكون الأرقام أقرب إلى المعدل الحقيقي. ومن المحتمل أن يكون هناك تأخر طفيف -فقد يكون الذين يموتون اليوم قد أصيبوا بمرض خطير لعدة أيام. ولكن بمرور الوقت سيصبح هذا أقل أهمية مع الوصول إلى حالة مستقرة للقياس.

واسمحوا لي أن أختتم بمثالين. يشعر الزملاء في ألمانيا بالثقة في أن أرقامهم أقرب إلى الحقيقة من أغلب الناس، وذلك لأنهم كانوا يتمتعون بقدر وافر من القدرة على إجراء الاختبارات عندما ضربتهم الجائحة. يبلغ معدل الوفيات في ألمانيا حالياً 0.8% في ألمانيا. وإذا افترضنا أن حوالي ثلث الوفيات المسجلة بالفعل (الثلث فقط) تعود إلى Covid-19 وأنهم نجحوا في اختبار ثلث جميع الحالات في البلد الذي يعاني بالفعل من المرض (وهو افتراض سخي)، فإن معدل الوفيات الناجمة عن Covid-19 سيكون 0.08%، وهو ما قد يرتفع ارتفاعاً طفيفاً نتيجة تأخر حدوث الوفيات. وإذا افترضنا في الوقت الحاضر أن هذا التأثير قد يصل إلى 25% (وهو ما يبدو سخياً)، فإن ذلك سيضع حداً عاماً، وربما أعلى، لمعدل الوفيات يبلغ 0.1%، وهو ما يماثل الأنفلونزا الموسمية.

لننظر إلى أرقام المملكة المتحدة واعتباراً من الساعة التاسعة من صباح يوم السبت، حدثت 1019 حالة وفاة و 17089 حالة مؤكدة -أي بمعدل وفاة 6.0%، وإذا كان ثلث الوفيات ناتجة عن Covid-19 وكان عدد الحالات المسجلة بالفعل أقل من الحقيقية بمعامل 15 مثلاً، فإن معدل الوفيات سيكون 0.13% وعدد الوفيات بسبب Covid-19 فعلياً سيكون 340 حالة. وينبغي وضع هذا العدد في الاعتبار مع عدد الوفيات التي توقعناها في الأيام الـ 28 الأولى من آذار/مارس -حوالي 46000 وفاة.

سيزداد عدد الوفيات المسجلة في الأيام المقبلة، ولكن سيزداد أيضا عدد السكان المصابين بالمرض -على الأرجح أسرع بكثير من الزيادة في عدد الوفيات. ولأننا ننظر عن كثب إلى وجود Covid-19 بين الذين يموتون -كما فصلت من قبل فى مقالتي الأخري-فإن نسبة الذين يموتون بـcovid-19 (ولكن ليس بسببه) في فئة يتزايد فيها معدل الإصابة، من المرجح أن تزيد. وعلى هذا فإن الزيادة المقاسة في أعداد الوفيات لا تشكل بالضرورة سبباً للقلق، ما لم تظهر زيادة في أعداد الوفيات ـ حيث تشير 340 حالة وفاة من أصل 46 ألف حالة وفاة إلى أننا لم نقترب من هذا الحد في الوقت الحالي. لقد أعددنا للأسوأ، ولكنه لم يحدث بعد. وقد تساعد الاختبارات الواسعة النطاق لموظفي الخدمات الصحية الوطنية التي أُعلن عنها مؤخراً على توفير مؤشر أوضح لمدى انتشار المرض بالفعل بين السكان.

فالمملكة المتحدة والحكومات الأخرى لا تتحكم في كيفية الإبلاغ عن بياناتها، ولكن بوسعها أن تقلل من احتمالات إساءة التفسير من خلال التوضيح التام لأرقامها، وما هي ليست كذلك. وبعد انتهاء هذه الحادثة، هناك حاجة واضحة إلى تحديث منسق دولياً لكيفية نسب الوفيات لعدوي واضحة وتسجيلها، وذلك لتمكيننا من فهم ما يحدث بشكل أوضح، عندما نحتاج إلى ذلك.

نُشر المقال الأصلى فى مجلة The spectator

قد تُعجبك هذه المشاركات