قصة المرأة الإيطالية التى تحدت ( موسولينى ) و ( هتلر )

قصة المرأة الإيطالية التى تحدت ( موسولينى ) و ( هتلر )

المحتويات [إظهار]


عندما تم  إعلان خبر خلع موسوليني لأول مرة ، في تموز (يوليو) 1943 ،
"استقبله الإيطاليون العاديون بفرح غامر" ،   كما ذكرت كارولين مورهيد فى روايتها الأخيرة و وصفوه بالفجر الجديد. لكنه كان فجر وهمي.


 فالنازيون ،"السحالى الخضراء العظيمة" (على حد تعبير الشاعر سيزار بافيسي اتجهوا فوراً إلى حلفائهم السابقين ببهجة سادية ، الأمر الذي أسفر عن الفترة التى وصفها هذا الكتاب المؤلم بأنها "الفترة الأكثر تشويشاً، دراماتيكية ، مثيرة للجدل ، و ذو ذاكرة سيئة "في التاريخ الإيطالي.

تعرضت شبه الجزيرة للنهب بصورة منهجية، إذ كان من المتوقع أن تتزود ألمانيا بالأرز والتبغ والجبن والفواكه والخضروات منها. و قد عانى الإيطاليون أنفسهم من نقص شديد لدرجة أنهم "عندما ينخفض المخزون الغذائى، كانوا يأكلون الخيول المأخوذة من الثكنات المهجورة".

 لم يكن هناك جلد للأحذية ، فتم صنعها من الورق المقوى ، وتجمدت الجوارب على القدمين. و تم "إرسال نصف مليون رجل إيطالي إلى معسكرات العمل الألمانية للمساهمة في اقتصاد الحرب" - المزارع والمناجم والصناعات الثقيلة.

 "لقد تعرضوا للإهانة والضرب والتجويع". و ما تبقى من الجيش الإيطالي تم اعتقاله: 8790 ضابطاً و 339000 جندي ؛ تمت السيطرة على 1138 قطعة مدفعية و 536 سيارة مدرعة و 236 دبابة ، بالإضافة إلى 4053 بغلاً. و صودرت جميع الأسلحة ، بما في ذلك قطع الصيد. و تم فرض الأحكام العرفية. وكانت الإضرابات ممنوعة. و قام الألمان ، الذين احتلوا بسرعة مراكز الهاتف ومحطات الكهرباء ومخازن الذخيرة ، بفتح النار بالرشاشات على الحشود المدنية. النساء الحوامل قتلن بالرصاص. 

طفلة في السادسة من عمرها "أصيبت بطلق ناري بينما كانت تلعب.  و سحقت شاحنة مليئة بالجنود شابة تبلغ من العمر 17 عامًا ، وهي تغسل ملابسها في بئر." و كان الألمان "حيوانات برية، عازمين على التدمير" ، فسكبوا  قساوسة بالبنزين وأحرقوهم أحياء ، وأطلقوا النار على النساء اللاتي كن يصطفن طلباً للخبز ، و نهبوا القرى. و تم إغراق أطفال يهود في بحيرة ماجيوري، و استخدمت مجاديف لإبقائهم تحت الماء. كانت هناك مكافأة رسمية بـ 9000 ليرة "مقابل كل يهودي يتم تسليمه". و فى نظر إلى هيرمان جورينج، لم يكن الإيطاليون على أى حال أكثر من مجرد "شعب غجري سينتهي به الأمر إلى التعفن"،و وافق هتلر على ذلك ، متفقًا على أنه يجب "ذبح و قتل و إبادة" الجميع.

وفي مواجهة الخراب الكامل، كان نجاة إيطاليا قادم من نسائها، اللاتي لم يتجنبن ولم يهبن العواقب "، كما كتب مورهيد في هذه الدراسة المؤلمة لدور المرأة في المقاومة. وقد ذكرني ذلك  بآلان بينيت، الذي كان يقول بما أن الأحداث المؤلمة والاضطرابات على مدار التاريخ تقع على عاتق الرجال غير المبالين، فإن قدر النساء هو أن يتبعنهم دائما "بدلو".

وقد كان هذا هو الحال بوجه خاص في إيطاليا، حيث كانت العقيدة الكاثوليكية التقليدية، كما قنها موسوليني، تعني أن النساء الإيطاليات يقمن بحبس أنفسهن في المطابخ، ويعتنين بالأطفال ويمارسن "الطاعة بفرح". ومن هذا المنطلق، فإن المرأة "لا تستطيع أن تملك شيئا ولا أن تقرر شيئا". ولا يسمح لهن بمزاولة المهن على أي مستوى عال. إذا ذهبوا إلى الجامعة كان عليهم أن يدفعوا ضعف الرسوم ووصف الفاشيون النساء العاملات بأنهن "وقحات، ومتحررات، وشهوانيات، وماديات، وأنانيات، وغير متدينات".

و جاءت المفارقة العجيبة في قلب أحد الأفكار الراسخة تلك، هي أن الحرب العالمية الثانية عرضت على المرأة الإيطالية فرصة للتحرر والإنجاز، وكأن هذه هي فجأة نهاية "سنوات من الغضب المكبوت والخضوع". وبمنح النساء الفرصة "للموت كالرجال والعيش كالرجال"، فقد أتيحت لهن فرصة فريدة، وإن كانت فظيعة، لتقرير مصيرهن. إن الشخصيات العديدة التي حملها كتاب كارولين مورهيد -تيريزا وليبرا وفيرا وروزا وآدا وبيانكا وفريدا وسيلفيا -أظهرت شجاعة و مكافحة هائلة، ولم يكن الكثير منهن إلا في سن المراهقة.

كانوا يخدمن المحاربين كحراس يحملن الرسائل بين المقر السري ويهربن عبر مجاري تورينو. كانت الفتيات تزور أسرى الحرب المخبأين في الكهوف الجبلية وحصلوا على خرائط ورسموا وطبعوا أوراق مزيفة. فقد عملت هؤلاء النساء كجنرالات، فقمن ببناء "شبكة ضخمة من الاتصالات"، واتخاذ القرارات، وإصدار الأوامر.

فبالانضمام إلى المقاومة والقتال من أجل تحرير بلدهن، كانت النساء يتعرضن بشكل مباشر "لحرب بالغة الوحشية. "فلم يكن هناك فقط مواجهة الغزاة الألمان، بل وأيضاً في أعقاب تأسيس جمهورية اجتماعية إيطالية في سالو في سبتمبر/أيلول 1943 كان هناك أيضاً عودة مغولية لعصابة موسوليني الفاشيين، الذين اشتهروا لفترة طويلة " بفسادهم ووحشيتهم وجشعهم ومعاداة السامية في نهاية المطاف "، والذين لم يفكروا إلا في تعذيب النساء للحصول على المعلومات.

ومن المؤلم أن نكتشف أن العديد من تلك البطلات قد هلكن بعد اعتقالهن وسجنهن واغتصابهن. (أُعدم 98 شخصاً في بيدمونت وحدها). أسنانهم ستُكسر وتُثقب حتى العصب وكلما نسف الأنصار الجسور وعطلوا القطارات ونهبوا الإمدادات الألمانية، زادت العقوبات. فالهجمات على الجنود الالمان « كانت تهدف الى الانتقام بنسبة مئة الى واحد »، كما حدث في روما. وكانت الجثث "معلقة على الأشجار كتحذير". حتى يبدو ذلك كـ "منظراً مروعاً مألوفاً" -وكان من الواجبات الأخرى التي اضطلعت بها النساء جمع وغسل جثث الرفقاء الذين أعدموا وإعدادهم للدفن، حتى لو "كان بعضهم مشوهاً لدرجة يتعذر معها التعرف عليه".

ومع تقدم البريطانيين والأميركيين في شبه الجزيرة من صقلية وساليرنو، وانتقالهم أيضاً إلى الجنوب من نورماندي، كان الألمان المتقهقرين أكثر انتقاماً من أي وقت مضى، فدمروا كل شيء أثناء ذهابهم، وأخلوا المدينة وفجروا مدنها (لم تسترد نابولي عافيتها بالكامل حتى يومنا هذا)، وأجبروا القرويين، وحتى الأطفال، على مشاهدة عمليات الإعدام. "الغرف التي استخدمها الألمان لحبس سجنائهم كانت مغطاة بالدماء "مورهيد تروي القصة المروعة عن رهائن دفنوا أحياء:" لعدة ساعات كان من الممكن سماع صرخاتهم الخافتة من الأرض ".

وعندما نصل في نيسان (ابريل) ١٩٤٥ إلى لحظة اطلاق النار على موسوليني وتعليقه في ميلانو، عبّر القارئ عن فرحة خانقة. لكن الجنون لم ينتهي هناك كان هناك سعار من العقاب وتصفية الحسابات بين المنتصرين. لم أكن أعرف ذلك من قبل، أن جثة إل دوتشي كانت على وشك أن ترفع عالياً. أحدهم هرع لمقدخة الصفوف و وضع فأراً ميتاً في فمه.

هذا الكتاب مليء بالفظائع كأي مسرحية لـ (جاكوبيان) وقد تنتمي النساء اللاتي يسلط الضوء عليهن إلى الدراما التقليدية أو الأوبرا. يشمل المشهد الاكثر إثارة ماتيلدا پيتر انتونيو (٢١ سنة). وفي الساعات الأخيرة من الصراع صادفت هي وأحد معاونيها المسلحين سبعة شبان فاشيين رفعوا أيديهم مستسلمين. رفيقها رفع مسدسه قالت ماتيلدا: « لا، انتهت الحرب. أنت لن تقتل أي شخص بدم بارد عودوا لمنازلكم اذهبوا. اذهبوا. اركضوا.. 



قد تُعجبك هذه المشاركات