الكونفوشيوسية لا تساعد في التغلب على فيروس كورونا

الكونفوشيوسية لا تساعد في التغلب على فيروس كورونا

المحتويات [إظهار]



إن الإستعارات الثقافية لا تفسر نجاح كوريا الجنوبية ضد COVID-19. القيادة الكفؤة تفسر ذلك.

في الوقت الذي يدمر فيه COVID-19 الولايات المتحدة وأوروبا. فإن استجابة كوريا الجنوبية للوباء تستحق المديح من مختلف أنحاء العالم. وبفضل الحجم والكفاءة اللذان لا مثيل لهما و اتسم بهما نظام الاختبار والحجر الصحي في كوريا الجنوبية تمكنت كوريا الجنوبية من وقف انتشار فيروس كورونا، الأمر الذي أدى إلى خفض عدد الحالات الجديدة إلى حوالي 100 حالة في اليوم من الذروة التي بلغت نحو 900 حالة جديدة كل يوم في أواخر شهر فبراير/شباط. و بالإضافة إلى قدرة كوريا على إجراء الاختبارات، أبدت وسائل الإعلام الدولية إعجابها بمرافقها الخاصة بالفحص من خلال المركبات، والتعقب المفصل لتحركات مرضى فيروس كورونا، والاستجابة المتأنية من جانب عامة الناس، الذين يشترون نفس كمية مناديل الحمام التي كانوا يشترونها من قبل.

وربما كان من المحتم أن تقدم بعض وسائل الإعلام تفسيرات ثقافية إختزالية لهذا النجاح. هناك مقولة شائعة مفادها أن الكوريين أقل فردية وأكثر ميلاً إلى روح المجتمع وأكثر استعداداً للتضحية من أجل الصالح العام. على سبيل المثال، زعم مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز: "إن الثقة في الروح الاجتماعية في كوريا الجنوبية أعلى كثيراً من مثيلتها في العديد من البلدان الأخرى، وخاصة الديمقراطيات الغربية التي تعاني من الاستقطاب وردود الفعل الشعبوية العنيفة." يقول تحليل نشرته صحيفة ذا وول ستريت جورنال (بالانكليزية): "إن البصمة الثقافية الطويلة للكونفوشيوسية تمنح الدولة الأبوية حرية اكبر في التدخل في حياة الناس في حالات الطوارئ." و تطوع عدة محللين بالقول أن الغربيين المحبين للحرية لن يقبلوا تتبع المخالطين من كوريا الجنوبية، لأن الجمهور الغربي لن يقبل بالاعتداء على الخصوصية الذي يفصل كل مكان زاروه أثناء الإصابة الفيروس.

وهذا هراء، وهو يكرر نفس الخطأ الذي سمح بتفشي فيروس فيروس كورونا في الولايات المتحدة وأوروبا في المقام الأول: الخطأ المتمثل في النظر إلى آسيا باعتبارها مكاناً آخر لا يمكن التواصل معه، مكاناً مختلفاً جوهرياً عن الغرب إلى الحد الذي يجعل من غير الممكن نقل أي معرفة أو خبرة. تعاني الولايات المتحدة وأوروبا من مرض الالتهاب COVID-19 لأنهما اعتبرا الفيروس "مرضاً آسيوياً" عاجزا بطريقة ما عن الوصول إلى شواطئهما. وهم يجازفون الآن برفض أفضل ممارسات مكافحة الوباء بينما يتصورون "حلولا آسيوية" لا يمكن تكرارها أبداً في بلدانهم.


وهذا نمط طويل الأمد من التوجهات الشرقية. فكلما بدا أن أي سياسة اجتماعية ناجحة في أي بلد آسيوي (اليابان عادة، ومؤخراً في كوريا الجنوبية)، يسارع الغربيون ــ الأميركيون بشكل خاص ــ إلى الزعم بأن مثل هذه السياسة لم تكن ممكنة إلا بسبب سكان آسيا المتجانسين ومجتمعاتها المتناغمة. ولكن هذا الانسجام لا يوجد إلا في خيال عنصري يتخيل مجتمعا مؤلفا من آسيويين وديعين ومطيعين. إن كوريا الجنوبية على وجه التحديد ليست مجتمعاً يعتمد على روح التعاون المجتمعي من ذلك النوع الذي يحب الأميركيون أن يتخيلوه. ففي دراسة أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في عام 2018، لم تتجاوز درجات كوريا الجنوبية في مؤشر "متوسط الثقة في الآخرين" 0,32 في عام 2014. وقد كانت بلاد في مرتبة أعلى منها مما يسمى بالمجتمعات الغربية الفردية مثل النرويج (0.68)، والسويد (0.65)، وهولندا (0.54)، وكندا (0.44)، وحتى الولايات المتحدة (0.41).

الواقع أن الاتجاه المعاصر من السياسة الحادة المستقطبة للتفوق فى سرعات شبكة الإنترنت لم يتخطى كوريا الجنوبية. والواقع أن كوريا الجنوبية كانت في طليعة هذا الاتجاه، حيث تبنت كوريا شبكة إنترنت عالية السرعة على نطاق واسع في وقت أبكر من أي دولة في العالم تقريباً. و قبل أن تعرف أميركا ماهية يوتيوب، كانت كوريا الجنوبية تتعامل بالفعل مع العواقب السلبية لمجتمع على الإنترنت، مثل التسلط عبر الإنترنت وحملات التضليل الإعلامي. و قبل سنوات من تدخل الاستخبارات الروسية في الانتخابات الرئاسية الأميركية في عام 2016 واستفتاء الخروج البريطاني، كان الرؤساء المحافظون في كوريا الجنوبية يستخدمون وكالاتهم التجسسية لنشر الملايين من التغريدات المزيفة لتزييف الإنتخابات.

وحتى أثناء جائحة فيروس كورونا، ظلت سياسة كوريا الجنوبية عنيدة كما كانت في أي وقت مضى. كانت إحدى الأحداث الفظيعة ذلك الصف الذي شمل استقالة لجنة من الخبراء الطبيين الذي قدم المشورة للرئيس. لطالما انتقدت الجمعية الطبية الكورية، وهي مجموعة مصالح تمثل الأطباء في كوريا الجنوبية، الرئيس الليبرالي مون جاي إن، الذي يؤمن فى توسيع نطاق التأمين الصحي الوطني في كوريا الجنوبية على حساب الأطباء. وبينما كان كوفيد-19 على وشك بلوغ ذروته في كوريا الجنوبية في أواخر فبراير/شباط، طالب تشوي داي -جيب، رئيس الجمعية الطبية الكورية (ومؤسس جماعة فاشية تزعم أنها وريثة المجموعات التي ذبحت المدنيين أثناء الحرب الكورية)، بأن تقيل إدارة مون وزير الصحة والرعاية ولجنة الاستشارات الرئاسية. وبغية الإذعان لللجمعية الطبية الكورية وحماية أعضائها من الهجمات السياسية، قررت اللجنة أن تحل نفسها طواعية. ففي خضم الوباء العالمي الأشد خطورة منذ قرن من الزمان، تسببت السياسة في كوريا الجنوبية في توقف أبرز خبراء الدولة في الأمراض المعدية عن إسداء المشورة للرئيس.

وبطبيعة الحال، فإن الثقافة شيء حقيقي يوجه تصرفات الناس. ومن الممكن تماماً إجراء مناقشة معقدة على سبيل المثال حول الكيفية التي أثرت بها الكونفوشيوسية على استقبال الرأي العام في كوريا الجنوبية لاستجابة الحكومة لفيروس كورونا. (يقدم الفيلسوف الكونفوشيوسي القديم منسيوس مواد غنية عن الحوكمة العملية وفقاً لشبكة الالتزامات الكونفوشيوسية بين الحاكم و شعبه). ولكن من الغريب أن مناقشة وسائل الإعلام الغربية للتراث الكونفوشيوسي في كوريا الجنوبية لم تشر قط إلى النصوص الكونفوشيوسية الفعلية. بل إن الكونفوشيوسية ليست أكثر من مجرد ذريعة لتقديم قوالب نمطية قديمة متعبة عن الآسيويين باعتبارهم طائرات بلا طيار، يجهلون المعنى الحقيقي للحرية. ومع احتدام الوباء في مختلف أنحاء الغرب، فإن المناقشة الدائرة حول "الثقافة الشرقية" لا تتحول إلى محاولة للتنوير بل إلى البحث عن ذريعة للبقاء في حالة جهل.

وفي نهاية المطاف، يرجع نجاح كوريا الجنوبية إلى الزعامة الكفؤة التي ألهمت ثقة الجمهور بها. لم ينصح أي نص كونفوشيوسي مقدس مسؤولي الصحة الكوريين باستدعاء الشركات الطبية أو أمرهم بزيادة القدرة على إجراء الاختبارات عندما لا يكون لدى كوريا سوى أربع حالات معروفة للإصابة بمرض covid-19. ولا توجد من الحكمة الآسيوية ما يحمل الأطباء الكوريين على الاعتقاد بأنه ينبغي لهم أن يختبروا كل شخص يعاني من أعراض الالتهاب الرئوي بغض النظر عن تاريخ السفر، وهو ما أدى إلى اكتشاف "المريض رقم 31" السيئ السمعة الآن وإلى كبت مجموعة فيروس كورونا الضخمة في مدينة دايجو بسبب طائفة شينشيونجي السرية. إن الرأي العام في كوريا الجنوبية لا يكتنز ورق المرحاض ليس لأنهم خراف لا يملكون وكالة منفردة بل لأنهم رأوا بوضوح أن حكومتهم ملتزمة بالتحلي بالشفافية وأنهم على ثقة بإنها تعمل لصالحهم.

وبوسعنا أن نناقش إلى أي مدى لعبت الثقافة الكورية دوراً في كل من هذه التطورات، ولكن لا ينبغي لنا أن نخطئ: فلا يوجد في ثقافة أي بلد ما يمنع أياً من هذه الاستجابات.
 فمن السخف أن نقول، على سبيل المثال، إن الأميركيين والأوروبيين لن يستسلموا أبداً لهذا النوع من تعقب المخالطين بتكنولوجيا عالية من النوع الذي تبنته كوريا الجنوبية، في حين يتخلى الملايين منهم طوعياً عن بياناتهم الشخصية لأمثال جوجل وفيسبوك كل يوم. (والواقع أن حكومة الولايات المتحدة تستخدم بالفعل بيانات تحديد الموقع لدراسة مدي انتشار فيروس كورونا). ولا ينبغي لأحد أن يكون متهوراً إلى الحد الذي يجعله يزعم أن الفكرة الغربية للحرية ترغم على عدم القيام بأي شيء ضد تفشي الفيروس الذي من المنتظر أن يتسبب في مئات الآلاف من الوفيات، أو أن فرض الحظر على البلاد بالكامل أكثر اتساقاً مع فكرة الحرية من فرض الحجر الصحي اللائق على المرضى الأفراد بالشكل الذي يسمح لبقية المجتمع بالاستمرار.

وعلى الرغم من أنّ فيروس COVID-19 كان مصدره الصين، فإنّ أوروبا والولايات المتحدة تعانيان من وطأة الجائحة لأنهما لم تأخذا الفيروس على محمل الجد. وكان العالم الغربي مشغولاً للغاية بالسخرية من استجابة الصين غير الكفؤة وغير الواضحة والتحريض على العنصرية المعادية لآسيا حتى يدرك أن مشكلة آسيا سوف تصبح قريباً هي أيضاً مشكلته. (اعترف أحد المسؤولين الصحيين الإيطاليين بأن إيطاليا اعتبرت الفاشية في الصين "فيلم خيال علمي لا علاقة له بنا") تماماً كما فعلت كوريا الجنوبية، كان بوسع الولايات المتحدة وأوروبا أن يتحركا في المرحلة المبكرة من تفشي الفيروس لتنفيذ برنامج واسع النطاق لاختبار وحجر صحي والتقليل إلى أدنى حد من الأضرار الناجمة عن فيروس كورونا. و بالإصرار علي استجابة كوريا الجنوبية باعتبارها مرتبطة ثقافياً، يرتكب الغرب مرة أخرى نفس الخطأ، ويفشل في إدراك أن حل آسيا قد يكون حلاً له أيضا.

المصدر بالإنجليزية

قد تُعجبك هذه المشاركات