المحتويات [إظهار]
مقدمة المترجم
فى هذا
المقال يتحدث عدد من العلماء عن أهمية التسلسلات الهرمية أو التراتبية فى المجتمع،
و فى حين أنه لا مفر من وجود التراتبية فى المجتمع مهما بلغت الضراوة فى مكافحتها،
فمن المنطقي أن نعمل على وجود تراتبية جيدة بدلاً ترك الأمر عشوائياً و نتفاجأ
بتراتبية سيئة تعمل على مواجهة قيم المجتمع. و الأمر موجود فى القرآن فى قوله
تعالي "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ
وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ". مقال
لكثير من
العلماء (ستيفان آنجل، كوامي أنتوني أبياه، جوليان باجيني، دانيال بيل،
نيكولاس بيرجغرون، مارك بيفر، جوزيف تشان، كارلوس فرانكل، ستيفن ماسيدو، مايكل
بويت، جيانغ تشيان، ماتياس ريس، كارلين رومانو، جوستين تيوالد، روبن وانج) و جميهم
أساتذة فى الفلسفة لجامعات عريقة.
النص
لقد نسينا كمجتمع كيف
نتكلم عن فوائد التسلسل الهرمي و التفوق الإنساني. و حان الوقت لنتذكر
الغرب الحديث يولي أهمية
كبيرة لقيمة المساواة. فالمساواة في الحقوق مكرسة في القانون بينما طُعنت في
الهياكل الهرمية القديمة للنبلاء والطبقة الاجتماعية، إن لم تكن قد فُككت تماماً.
وقليلون هم الذين يشكون في أن المجتمع العالمي هو الأفضل لهذه التغيرات. ولكن
التسلسل الهرمي لم يختف. ولا يزال المجتمع مقسماً إلى طبقات وفقاً للثروة والمركز بطرق لا حصر لها.
ومن ناحية أخرى، فإن فكرة
وجود عالم قائم على المساواة البحتة لا يوجد فيه تسلسل هرمي على الإطلاق تبدو غير
واقعية وغير جذابة. لا أحد يريد، بعد التأمل، أن يزيل كل أشكال التسلسل الهرمي،
لأننا جميعاً نستفيد من الاعتراف بأن بعض الناس أكثر أهلية من غيرهم لأداء بعض
الأدوار في المجتمع. نحن نفضل أن نعالج من قبل كبار الجراحين وليس من طلاب الطب،
والحصول على المشورة المالية من المحترفين وليس من المتدربين. فالتراتبية الجيدة
والمسموح بها موجودة في كل مكان حولنا.
بيد أن التسلسل الهرمي أمر
غير شائع للدفاع عنه أو الثناء عليه. إن وزراء الحكومة البريطانية يشجبون الخبراء
لأنهم لا يتناسبون مع المشاعر الشعبية ؛ وبنى كل من دونالد ترامب وبيرني ساندرز
منصات للهجوم على النخب في واشنطن ؛ ويُلام خبراء الإقتصاد على عدم توقعهم لانهيار
عام 2008 ؛ وحتى أفضل الممارسات المستقرة التي يتبناها الخبراء الطبيون، مثل تطعيم
الأطفال، يتم التعامل معها بالمقاومة وعدم التصديق. إننا نعيش في زمن لا نميز فيه
بين التسلسل الهرمي المبرر والمفيد من ناحية، والنخب الاستغلالية ذات المصلحة الذاتية
من ناحية أخرى.
وكمجموعة، نعتقد أن
التفكير الأوضح بشأن التسلسل الهرمي والمساواة مهم في الأعمال التجارية والسياسة
والحياة العامة. يتعين علينا أن نرفع الحظر عن مناقشة ما قد يؤدي إلى نشوء تسلسل
هرمي جيد. وبقدر ما يصبح التراتبية أمراً لا مفر منه، فمن المهم أن نخلق تراتبية
جيدة وأن نتجنب التراتبية الضارة. ومن المهم أيضا ًتحديد الطرق التي تدعم بها
الهياكل الهرمية المفيدة والجيدة الأشكال الجيدة للمساواة وتعززها. عندما نتحدث عن
التسلسل الهرمي هنا، فإننا نعني تلك الفوارق والتصنيفات التي تحمل معها فوارق
واضحة في السلطة و القوة.
فنحن مجموعة متنوعة من
العلماء والمفكرين الذين يتبنون وجهات نظر مختلفة جوهرياً بشأن العديد من القضايا
السياسية والأخلاقية. وقد انخرطنا مؤخراً في مناقشة مكثفة لهذه القضايا تحت رعاية
مركز بيرغغرون للفلسفة والثقافة في لوس أنجلوس، ووجدنا أنفسنا نتفق على هذا: يمكن
قول الكثير دفاعاً عن بعض أنواع التسلسل الهرمي. إن الأفكار التي نعرضها هنا جديرة
على أقل تقدير بمزيد من الاهتمام الواسع والجدي. ويتخذ كل هذا طابعاً ملحاً جديداً
نظراً للتحول في السياسة العالمية نحو الشعبوية التي تهاجم في كثير من الأحيان
التسلسل الهرمي للمؤسسات في حين تمنح السلطة الاستبدادية على نحو متناقض لأفراد
يزعمون أنهم يتحدثون باسم "الشعب".
ماذا ينبغي أن يقال إذن في امتداح التسلسل الهرمي؟
أولاً، تستطيع التسلسلات
الهرمية البيروقراطية أن تخدم الديمقراطية. والحقيقة أن البيروقراطية أصبحت اليوم
أقل شعبية من التسلسل الهرمي. بيد أن التسلسل الهرمي البيروقراطي قادر على ترسيخ
قيم ديمقراطية بالغة الأهمية، مثل حكم القانون والمساواة في المعاملة.
وهناك على الأقل ثلاث طرق
يمكن بها للمؤسسات الدستورية ذات التسلسل الهرمي من خلالها أن تعزز الديمقراطية:
عن طريق حماية حقوق الأقليات، ومن ثم ضمان عدم الاستخفاف بالمصالح الأساسية
للأقليات من جانب الأغلبيات الأنانية أو المتحيزة ؛ و عن طريق الحد من سلطة فئات
الأغلبية أو الأقلية في سن التشريعات التي تخدم مصالحها على حساب الصالح العام ؛
ومن خلال زيادة الموارد المعرفية التي تستخدم في صنع القرار، وجعل القانون
والسياسة أكثر تعبيراً عن المداولات العالية الجودة. وبالتالي، يمكن للديمقراطيات
أن تحتضن التسلسل الهرمي لأن التسلسل الهرمي يمكن أن يعزز الديمقراطية نفسها.
ولكن في العقود الأخيرة
تفكيك هذه التسلسلات الهرمية المدنية وكثيراً ما حلت محلها أسواق لا مركزية
وتنافسية، وكل هذا باسم الكفاءة. ولا يكون هذا منطقياً إلا إذا اعتُبِرَت الكفاءة
والفعالية (المفترض عادة قياسهما من الناحية الاقتصادية) من الأولويات الغالبة.
ولكن إذا اتخذنا هذا الافتراض، نجد أنفسنا نعطي ثقلاً أقل لقيم مثل سيادة القانون
أو الشرعية الديمقراطية أو المساواة الاجتماعية. وبالتالي، فقد نفضل في بعض
الأحيان الهياكل الهرمية الخاضعة للمساءلة الديمقراطية والتي تحافظ على هذه القيم
حتى بدلاً من الكفاءة المثلى.
فالمؤسسات الدستورية
الهرمية كثيراً ما تُنتقد لعدم خضوعها للمساءلة المباشرة أمام الناخبين، ولكن من
الصعب أن نتصور أن المساءلة الديمقراطية تتطلب مثل هذا الارتباط المباشر. وتتسق المساءلة النهائية
مع درجة كبيرة من العزل المباشر عن المساءلة الانتخابية المباشرة.
فبعيداً عن أهميتها
المدنية، قد تكون التسلسلات الهرمية حميدة في الحياة على نطاق أوسع. فالتسلسل
الهرمي قمعي عندما يتم اختزاله إلى سلطة بسيطة على الآخرين. ولكن هناك أشكال أخرى
من التسلسل الهرمي التي تنطوي على السلطة الغير منتهية. إن الطاوية تصف هذا النوع
من القوة على نحو فعّال في صورة امتطاء الحصان، في حين يتعين عليك في بعض الأحيان
أن تجره، وفي بعض الأحيان تترك الأمر وشأنه. هذه ليست هيمنة بل تفاوض. إن القوة في
الطاوية هي مسألة طاقة وكفاءة وليس هيمنة وسلطة. وبهذا المعنى فإن التسلسل الهرمي
قد يكون مصدر قوة وليس مصدراً معيقاً.
ولنتأمل هنا أمثلة
العلاقات الجيدة بين الآباء والأطفال، والمعلمين والطلاب، وأرباب العمل والموظفين.
تتحقق هذه النتائج على أفضل وجه عندما لا يستخدم الشخص الأعلى في التسلسل الهرمي
ذلك المنصب للسيطرة على من هم في أسفل السلم الهرمي بل لتمكينهم من النمو في
قدراتهم الذاتية.
من المفاهيم الكونفوشيوسية
الشائعة هي أن المعلم يجب ان يستهدف أن يتفوق عليه التلميذ. إن التسلسل الهرمي في
الكونفوشيوسية يتسم بالمعاملة بالمثل والاهتمام المتبادل. إن الاستجابة الصحيحة
على حقيقة التفاوت في القدرة ليس الاحتفاء به أو إدانته، بل الاستفادة منه في
السعي المشترك إلى الحياة الرغيدة.
ومن ثم، فإن أوجه عدم
المساواة في المركز والسلطة يمكن أن تكون مقبولة ما دامت هذه التفاوتات راسخة في
علاقات المعاملة بالمثل والاهتمام المتبادل، وتؤدي إلى تقدم الفئات الأدنى في
التسلسل الهرمي. وهذا يتوافق مع المفهوم الطاوي للسلطة التي لا تشكل شكلاً من
أشكال الهيمنة ولكنها تهدف إلى تمكين أولئك الذين تمارس عليهم هذه السلطة.
ففضلاً عن كون التسلسل
الهرمي أداة تمكين، فلابد وأن يكون ديناميكاً بمرور الوقت. إن التسلسل الهرمي
كثيراً ما يكون خبيثاً ليس لأنه يميز بين الناس، بل لأنه يديم هذه الفوارق حتى
عندما تصبح غير مستحَقة أو تخدم غرضاً طيبا. باختصار، تصبح التسلسلات الهرمية
متحجرة. على سبيل المثال، قد تكون هناك أسباب تدعو إلى تعيين أشخاص على أساس
الجدارة في مناصب السلطة، مثل مجلس اللوردات في بريطانيا. ولكن تاريخياً، كثيراً
ما أدى هذا إلى احتفاظ الناس ليس فقط بهذه السلطة عندما يفقدون استحقاقهم الشخصي
لها، بل وأيضاً تسليمها لأبنائهم. ويجب على جميع التسلسلات الهرمية الشرعية أن
تسمح بالتغييرات على مر الزمن حتى لا تؤدي إلى التراكم غير العادل للسلطة. وهذا
متأصل في التسلسل الهرمي القائم على السن والذي يؤيده الكونفوشيون، لأن الشباب سوف
يرتفعون في نهاية المطاف لكي يتبنوا منزلة كبار السن وسلطتهم.
وللوقاية من إساءة
الاستخدام من جانب ذوي المكانة الأعلى، ينبغي للتسلسل الهرمي أن يكون أيضاً خاصاً
بالمجال: فالتسلسل الهرمي يصبح إشكالياً عندما يصبح معمماً، بحيث يتمتع به الأشخاص
الذين يتمتعون بالسلطة أو الاحترام في مجال من مجالات أخرى أيضاً. ونحن نرى
ذلك بوضوح شديد عندما يمارس أصحاب السلطة السياسية سلطة قانونية غير متناسبة
لإمكانياتهم، فهم إن لم يكونوا فوق القانون تماماً فإنهم على الأقل يخضعون لمساءلة
قانونية أقل من المواطنين العاديين. وبالتالي، يتعين علينا أن نحترس مما قد نسميه
الإنحراف الهرمي:
توسيع السلطة
من مجال محدد وشرعي إلى مجالات أخرى غير شرعية.
ويحدث هذا الانحراف الهرمي
ليس فقط في السياسة، بل وأيضاً في مجالات إنسانية معقدة أخرى. من المغري أن نتصور
أن أفضل الأشخاص لاتخاذ القرارات هم الخبراء. ولكن تعقيد معظم مشاكل العالم
الحقيقي يعني أن هذا قد سيكون خطأً في كثير من الأحيان. وفي ظل المسائل المعقدة،
تكون كفاءات الأغراض العامة، مثل الانفتاح الفكري، ولا سيما المعقولية، ضرورية
لنجاح المداولات.
فالخبرة يمكن أن تقف في
طريق هذه الكفاءات. ونظراً لأن هناك موازنة بين نطاق الخبرة وعمقها، فكلما كان
الخبير أكبر كان مجال الاختصاص أضيق. وبالتالي فإن أفضل دور للخبراء لا يتمثل في الغالب في اتخاذ القرارات، بل
كموارد خارجية يتم استشارتها من قبل فريق من المتخصصين وغير المتخصصين الذين يتم
اختيارهم للكفاءات ذات الأغراض العامة. وينبغي لهؤلاء غير المتخصصين أن يستجوبوا الخبراء وأن يدمجوا إجاباتهم
المستمدة من مجموعة من الجوانب المتخصصة في قرار متسق. وعلى هذا فإن مجالس الإفراج
المشروط، على سبيل المثال، لا يجوز لها أن ترضخ لنوع واحد من الخبراء، بل يتعين
عليها أن تعتمد على خبرات علماء النفس، والأخصائيين الاجتماعيين، وحراس السجون،
وأولئك الذين يعرفون المجتمع الذي قد يفرج فيه عن سجين بعينه، وما إلى ذلك. وهذا
نوع من القرار الجماعي الديمقراطي الذي يستفيد من التسلسل الهرمي للخبرات من دون
الخضوع لها بخبث.
ولكن هل تتمشى التسلسلات
الهرمية مع الكرامة الإنسانية؟ من المهم الاعتراف بأن هناك أشكالاً مختلفة للتسلسل
الهرمي لأن هناك أشكالا مختلفة للمساواة. ينص الاعلان العالمي لحقوق الانسان
الصادر عن الامم المتحدة في المادة ١: " يولد جميع الناس احراراً ومتساوين في
الكرامة والحقوق."
ومن المتوافق
تماماً مع هذه المساواة في الكرامة أن يُكرَّم البعض أكثر من غيرهم. وبعبارة أخرى، يمكننا أن
نعترف بأن الأفراد يختلفون بعضهم عن بعض في تجسيدهم للتميز بمختلف أنواعه، وهذه
الأشكال المختلفة للتميز الإنساني تستمد منا نوعاً خاصاً من الاحترام الإيجابي
يسميه الفلاسفة "احترام التقييم". إن احترام التقييم هو شكل من أشكال
التقدير الذي نكنه للذين يظهرون امتيازاً معيناً: على سبيل المثال، بسبب أخلاقهم
الرفيعة، أو مهارتهم الكبيرة في النقاش. وبما أن الامتيازات مقارنة في جوهرها، فمن
المحتم أن يتم ترتيب الناس من خلال هذه التقييمات، وبالتالي فإن تكريم شخص ما يعني
اعتباره (في بعض الجوانب الخاصة) أفضل من الناس الذين يجسدون القيمة أو يقدمونها
بشكل أقل.
يبدو أن
المساواة هنا مفهوما بعيد المنال.
إن أحد الاسباب التي تجعل
التسلسل الهرمي مزعجاً للعقل الحديث القائم على المساواة هو أنه يعني ضمناً احترام
من هم أعلى منهم مرتبة. ولكن إذا كانت فكرة أن الإذعان قد يكون أمراً جيداً تبدو
صادمة، فليكن ذلك.
الفلسفة يجب
أن تزعجنا وتفاجئنا.
ويمكن فهم التسلسل الهرمي
على أنه إشارة إلى متى يتوقع الإذعان للآخرين. فالتسلسل الهرمي الجيد يشير إلى
الأنواع الصحيحة من الإذعان، والتسلسل الهرمي القمعي يطالب بالأنواع الخاطئة.
بطبيعة الحال، قد يذهب
الإذعان إلى أبعد مما ينبغي، وما يترتب على ذلك من عواقب بالغة السوء. على سبيل
المثال، كانت دعوة الكونفوشيوسية إلى "التمييز" بين الأزواج والزوجات سبباً في دعم نظام اجتماعي
ظالم هرمي للعلاقات بين الجنسين. ولكن كون الإذعان سيئاً للغاية بإفراط لا يعني
انه خطأ في المقاييس الواجبة.
هناك العديد من الأسباب
التي تجعلنا نعتقد أن الإذعان، عندما يكون مستحقاً، أمر طيب. فالقبول بأن الآخرين
يعرفون أكثر أو يمكنهم أن يفعلوا أكثر مما نعرفه هو أمر يتيح الانفتاح على التعلم
والنمو. فهي تتيح لنا الوصول إلى ما يسميه الفيلسوف لي -هسيانغ ليزا روزنلي من
جامعة هاواي "الشبكة المعقدة للعلاقات
الإنسانية التي تنتقل فيها معرفة الماضي من كبار السن إلى الشباب". إن
الإذعان يعبّر عن إدراك المرء لطبيعته المحدودة والقابلة للخطأ، وينقل المرء إلى
نفسه وإلى الآخرين محورية العلاقة بهويته ورفاهته، ويسهم في الأداء الاجتماعي
السلس - بل والأنيق أو الجميل -.
ويتطلب الإذعان الاعتراف
بأننا لسنا جميعاً متساوين في امتيازنا. ولكن حتى إذا سلمنا بأن بعض الناس يجسدون التميز البشري أكثر من غيرهم، أو
أن هناك نوعاً ما من "ترتيب المرتبة" بين البشر، فينبغي لنا أن نحرص على
ملاحظة ضآلة النتائج المترتبة على هذا، وخاصة في المجال السياسي.
وكبداية، يتخذ التميز
البشري أشكالاً متعددة، مما يعني أنه قد يكون هناك عدد من الطرق التي يمكن أن
يُبدي بها الشخص التميز، حتى وإن كانت "متوسطة" بشكل عام. فنحن لا نعرف ما الذي قد يتمكن الناس
من الإسهام فيه، لذا يتعين علينا أن نعطي الجميع ميزة الشك في أنهم يحتوون على
إمكانات التفوق و التميز في مجال ما من مجالات الحياة.
وثانياً، على الرغم من
اختلافنا في القدرات، فإن البشر متساوون في كل ما يهم بشكل أساسي في إسناد القيمة
إلى الحياة. ونحن جميعاً أعضاء في الجنس البشري، وإنسانيتنا المشتركة تشمل سمات
هامة تستحق الحماية. ووجود بعض التصنيفات الشرعية للبشر لا يعني أن الأقرب إلى قاع
البعض منهم ليسوا أيضا فوق عتبة معينة تجعلهم جديرين بالاحترام الكامل.
ويتعين على السياسة أن
تعكس هذا. إن نظاماً سياسياً مثل الديمقراطية، التي تجسد المساواة السياسية، يعطي
لكل شخص ميزة الشك في أنه من المرجح بقدر أي شخص آخر أن يجسد شكلاً من أشكال
التفوق الإنساني.
ويتعرض حاليا الهيكل
الهرمي القائم على الخبرة للانتقاد ؛ إن التسلسل الهرمي القائم على السن غير
إيجابي على الإطلاق.ومع ذلك، فإن حكم الشيوخ لديه مزايا لا تقدر بثمن ، وبوسعه أن يقدم مزيجاً
حاذقاً من الفوائد المرتبطة بالمساواة والجدارة. ويشير التحليل التاريخي لتشينغ
الصين على سبيل المثال إلى أن التراتبية الهرمية في سن الشيخوخة أسفرت عن تمثيل
عال للفئات ذات الدخل المنخفض بين النخب السياسية. ويرجع هذا ببساطة إلى أن متوسط
العمر المتوقع لم يختلف كثيرًا حسب الدخل، الأمر الذي يعني أن شيوخ القرى يشكلون
شريحة ممثلة للمجتمع. بالطبع، ما كان صحيحاً في الماضي قد لا يكون صحيحاً في المستقبل، وقد تغير
هيكل المجتمع في مختلف أنحاء العالم إلى الحد الذي لم يكن ليصمد هذا الارتباط إذا
حاولنا تكراره اليوم. على سبيل المثال، الآن بعد أن عملت الثروة على تعزيز دورة الحياة بشكل كبير
في العديد من البلدان، فإن حكم الشيوخ الحقيقي من شأنه أن يقلل من تمثيل المجموعات
ذات الدخل المنخفض.
إن حكم الشيوخ يرتبط
غالباً بالأبوية، التي أصبحت كلمة قذرة أخرى. ويمكن تعريف الأبوية السياسية بأنها
تدخل قسري في الاستقلال الذاتي. ويُنظر إلى هذا الشكل من أشكال التسلسل الهرمي عموماً بارتياب كبير لأسباب
وجيهة للغاية:
فقد تجاهلت
العديد من الحكومات الاستبدادية مصالح الشعب تحت ذريعة التصرف فيها. ولكن قد يكون هناك مبرر
لبعض أشكال هذا على الأقل، حيث أن النزعة الأبوية من الممكن في واقع الأمر أن تعزز
الاستقلال الذاتي.
المنطق هنا هو أن
الاستقلال الذاتي يتطلب أمرين: أولاً، معرفة ما هو أفضل، وثانيا، القدرة على العيش
وفقا لهذه المعرفة دون أن ننحرف عن مسارنا أو نعطله بسبب لا عقلانيتنا. ومن الصعب
الوفاء تلبية كلا الشرطين. فحتى العصور الحديثة المبكرة، كان العديد من الفلاسفة يعتقدون أن البشر في
أغلبهم يعانون من العقلانية غير الكاملة، وبالتالي لم يتمكنوا من الفهم الكامل
للأفضل، ويتقبل كل علماء النفس أن سيطرتنا على العناصر اللاعقلانية في طبيعتنا
محدودة للغاية.
وتتخذ التدخلات الأبوية
الجيدة، وفقاً لوجهة النظر هذه، شكلين. فهي تنشر المعرفة حول أفضل الأشكال التي
يمكن يمكن للعملاء العقلانيين على نحو غير كامل الوصول إليها. وقد تعتاد على
الدوافع الطائشة لدى الأفراد منذ سن مبكرة إلى الحد الذي يجعلهم يتعاونون فيما بعد
في تنفيذ وصفات عقلانية. إن مثل هذه التدخلات ليست مبررة إلا بقدر ما تمكننا في
نهاية المطاف من العمل على نحو أكثر استقلالاً. وقد توحي بذلك نظرية أرسطو
المتعلقة بالاعتياد، التي تقول انه لكي نحيا حياة كريمة يلزم ان ننمي عادات العيش
بشكل جيد.
ومن هنا، فمن
المفارقات أن مطالبتنا بالتصرف بشكل اعتيادي بطرق معينة، وخاصة في سن الشباب، قد
تمكننا من التفكير بشكل أكثر عقلانية لأنفسنا في الأمد البعيد.
ويؤيد علم النفس الحديث
هذا الرأي إلى حد ما، لأنه يشير إلى ضرورة توفير البيئات الملائمة لتعزيز اتخاذ
القرارات على نحو جيد وعادل. ويفهم الكونفوشيسيون وعلماء النفس العصريون على حد
سواء أن للسلوك البشري جذرين رئيسيين: المصادر الداخلية مثل السمات الشخصية،
والسمات الخارجية للحالات الخاصة التي نجد أنفسنا فيها.
وهذا يعني أن التسلسل
الهرمي الأبوي قد يفيد الاستقلال الذاتي الفردي. والتسلسل الهرمي له فائدة أخيرة. على الرغم من أن التسلسل الهرمي قد يبدو مثيراً للشقاق،
إلا أنه يمكن أن يعزز الانسجام الاجتماعي. وتولي ثقافات كثيرة قيمة كبيرة للوئام
بين الطوائف. وينطوي ذلك على أسلوب حياة مشترك، وعلى رعاية متعاطفة لنوعية حياة
الآخرين. والتسلسل الهرمي المفرط يعمل ضد هذا، فيخلق انقسامات داخل المجتمعات.
والواقع أن التسلسل الهرمي، إلى حد ما، يحمل في طياته دوماً خطر التوتر، لأنه حالة
يأمر فيها شخص بالغ شخصاً آخر أو يهدده أو يجبره على فعل شيء، حيث يكون الشخص
الأخير بريئاً من أي فعل خاطئ، ويكون مؤهلاً لاتخاذ القرارات، ولا يعيقه في ذلك
الوقت الكحول أو الجنون المؤقت أو ما شابه ذلك. ولكن الهدف المتمثل في الحفاظ على
الحياة المجتمعية يعني أن التسلسل الهرمي قد يكون مبرراً إذا كان - وفقط إذا - هو أقل قدر مطلوب من
التسلسل الهرمي، ومن المرجح أن يؤدي إما إلى أن يدحض الخلافات الخطيرة أو تعزيز
مشاركة أعظم كثيرا. وهذا تبرير ضئيل للغاية لا يفرض إلا أقل قدر من التسلسل الهرمي
الضروري.
وبوسعنا أن نجد أصداء لهذا
النوع من التأييد للتسلسل الهرمي المؤهل لتحقيق الانسجام في العديد من المجتمعات
الأفريقية التقليدية، فضلاً عن الثقافات المتأثرة بالكونفوشيوسية في الشرق. وإذا
نظرنا إلى ما هو أبعد من النظرية والممارسة، فيبدو من الواضح أيضاً أن نسخة ما من
هذا المبدأ تبرر التسلسل الهرمي في العديد من الثقافات الغربية أيضا. فكِّر في
كيفية إعطاء الشرطة السلطة على الآخرين باسم حفظ السلام العام.
لا شك أن بعض هذه الأفكار
بشأن التسلسل الهرمي سوف تلقى قبولاً أكثر إيجابية من غيرها. وسوف ينشأ أيضاً
الخلاف ــ كما هي بيننا ــ حول ما إذا كنا نحتاج ببساطة إلى أن نكون أكثر وضوحاً
بشأن قيمة بعض التراتبية، أو ما إذا كنا نحتاج إلى المزيد منها في مجالات معينة. فقد
كان التسلسل الهرمي يساء استخدامه كثيراً على مر التاريخ، والخوف المفهوم من
التحمس المفرط للتسلسل الهرمي هو الذي يجعل الحديث عن جدواه مقلقاً بعض الشيء. ومع
ذلك، نعتقد أنه من المهم طرح هذه الأفكار كدعوة لبدء محادثة تمس الحاجة إليها بشأن
دور التسلسل الهرمي في عالم يسوده الآن مساواة جوهرية بطرق عديدة، من حيث أنه يعطي
حقوقا متساوية وكرامة للجميع. غير أنه من الواضح أنه لا يعطي للجميع سلطة متساوية
ولا يمكن أن يمنحهم ذلك. وإذا كان لنا أن نكافح التفاوت الضروري الذي يستتبعه
التوزيع غير المتساوي للقوة مع المساواة الضرورية في القيمة التي نضعها على الحياة
البشرية، فقد حان الوقت لكي نأخذ مزايا التسلسل الهرمي على محمل الجد.
إرسال تعليق