لماذا لا يمكننا الوثوق بقادتنا ؟

لماذا لا يمكننا الوثوق بقادتنا ؟

المحتويات [إظهار]
منذ أول انطلاقة له قبل 20 سنة من الآن، كان مقياس الثقة الذي وضعه إيدلمان بمثابة المقياس لقياس التغيرات العالمية في نسبة ثقة الرأى العام و الجمهور بشأن الزعماء. ويسلط تقرير هذا العام الضوء على "انتشار وباء التضليل الإعلامي وانتشار عدم الثقة في المؤسسات المجتمعية والقادة في جميع أنحاء العالم". وحتى في أغنى بلدان العالم، من بين كل فردين فهناك فرد لا يثق بحكومته، كما أن نسبة الثقة فى القادة السياسيين أقل من مثلتها بالنسبة لقادة الأعمال، ولكنهم أكثر من نسبة الثقة في وسائل الإعلام.



ورغم أنه مفهوم أن انخفاض تلك النسبة قد تكون بسبب أننا فى خضم وباء عالمى ، فإن البحوث النفسية على مدى السنوات العشرين الماضية أو ما إلى ذلك سلطت الضوء باستمرار على تزايد نسبة عدم الرضا وانعدام الثقة بين الناس وقادتهم، الأمر الي يتناقض بشكل واضح مع مقالات الافتتان و الاحتفاء بالرجال الأقوياء (كرجال الأعمال أصحاب المليارات، والساسة المحترفين) كشكل من أشكال الرموز أو نجوم الروك ستار. وفي تناقض صارخ مع انتشار المقالات حول الزعامات الملهمة والبطولية، إن التجربة المتوسطة التي خاضها الناس مع زعمائهم كانت قاتمة و بائسة إلى حد كبير.

وأفضل تلخيص لذلك هو كتاب جيفري فيفر بعنوان هراء القيادة، الذي يذكر أن "القادة يخذلون شعوبهم ومنظماتهم والمجتمع الأكبر وحتى أنفسهم، بتكرار غير معقول". ففي عالم الشركات، الذي ينفق نحو 20 مليار دولار سنوياً لتنمية قدرات رؤسائه، يكره أغلب الناس وظائفهم وثقافاتهم ورؤسائهم (يمكنك البحث في جوجل عن "my boss is ...." لإلقاء نظرة عامة سريعة).




يعتبر حوالي 20 ٪ من الموظفين أهداف متكررة للأسلوب الفظ من رؤسائهم، مثل التنمر، والمضايقة، وأساليب الترهيب. وتشير البيانات العالمية من مؤسسة جالوب (تتضمن 142 دولة) إلى أن 13% فقط من الموظفين هم الذين يؤخذ آرائهم فى العمل و يعتبرون مشاركون فيه، و هذا كل ما تحتاج معرفته لتوقع سلوك مديريهم. وطبقاً لبعض التقديرات فإن 35% من الأميركيين سوف يكونون على استعداد للتخلي عن زيادة رواتبهم بشكل كبير إذا تمكنوا من فصل مديريهم، وهو الرقم الذي ربما يشير إلى تفاؤلهم الأساسي بأن مديرهم القادم سوف يكون أفضل.

لذا فإن السبب الرئيسي لعدم الثقة في زعمائنا ليس فقط أنهم سيئون. و لكن أيضاً لأننا سيئين في إختيارهم و السبب في ذلك هو الآتى:

(1) على الرغم من أن القيادة (القدرة على إقناع مجموعة من الناس بالتعاون بشكل فعال لتحقيق هدف مشترك) هى شي قديم قدم البشرية، إلا أن العالم اليوم أكثر تعقيدا بكثير مما كان عليه قبل 250 ألف سنة.

(2) على عكس 250 الف سنة ماضية، لا يمكننا الآن ملاحظة المواهب القيادية  بشكل مباشر، لذلك يجب علينا اختيار القادة لتولي مسؤولية فرق افتراضية كبيرة، والتي تشمل أشخاصًا من جميع الخلفيات لم يلتقوا قطبينهم البعض أو حتى بينهم و بين القائد، ولا تتمثل المكونات الرئيسية لموهبة القيادة في القوة البدنية أو الخبرة أو مهارات الصيد، بل في القدرة الفكرية و العاطفية والفضول.

(3) النبأ السار هنا هو أننا ابتكرنا أدوات عظيمة (مثل التقييمات النفسية القائمة على العلم) لتقييم المواهب القيادية وإمكانياتها. أما النبأ السيئ فهو أننا كسالى، ومفرطون بالثقة في الذات، ومنحازون، لذا فنحن نفضل الاعتماد على حدسنا الخاص، ونتجاهل الأدوات العلمية، ونشوه الواقع لكي نبقي جاهلين استراتيجياً بشأن اختياراتنا الزعامية السيئة. وكما نعلم جميعا، فإن "أكبر عدو للمعرفة ليس الجهل، بل وهم المعرفة"، إلا أننا نصدق أن هذا ينطبق على الآخرين لا على أنفسنا.

(4) وفي معظم الأحيان يكون من السهل تجنب أدوات التحقق من الواقع. على سبيل المثال، نستطيع أن نختار المرشحين الخطأ لشغل مناصب قيادية ولكن نظل ننظر إلى السلوكيات الخاطئة، ونتجاهل الإجراءات التى أوصلتنا لذلك، وغالباً نجد الوسيلة لإقناع أنفسنا، أو على الأقل الآخرين، بأننا اتخذنا الاختيار الصحيح. وفي عالم القيادة هناك عملتين هما النتائج والآراء، ولكن لا يوجد سعر لتخمين أي من الاثنين هو العملة المهيمنة في المحادثات.

(5) حتى عندما يكون لدينا وباء عالمي، ونتائئج الاصابات واضحة و كبيرة ، مما يجعل من المستحيل على القادة الاختباء، وتقليل عدد الخلافات الحزبية حول ما إذا كان X قائدا جيداً و Y قائدا سيئاً، و لكن يمكننا دائماً أن نجد قصة، أو سرداً، أو مبرراً لتجنب الخطأ، على الأقل في نظرنا.

لذا جزئياً فنحن لا نثق في قادتنا لأننا نثق في أنفسنا، وبصورة خاصة حدسنا أكثر مما ينبغي. لاحظ أنه عندما لا يثق شخص ما في زعيم X فإنه يشير إلى شخص لم يختاره، بل اختاره آخرون. إن الأمر يشبه إلى حد ما إرغامك على تناول الطعام في مطعم لم تختاره، لذا فإنك ستكره الطعام حتى قبل أن تتذوقه.

لاحظ أن الثقة لا تتطلب فقط القادة جيدين من ناحية الكفاءة، ولكن أيضاً قادة أخلاقيين. والواقع أن الزعماء الأذكياء الأكفاء سوف يكونون أكثر إثارة للمشاكل ـ و كذلك الزعماء النرجسيين ـ حين يفتقرون إلى الأخلاق، و الواقع أن الزعيم غير الأخلاقي حين يتسم بالغباء يكون أقل تدميراً، خاصة وأنه سوف يجد صعوبة أكبر في البقاء في السلطة. وهذه واحدة من الدروس المستفادة من الوباء: فمن الواضح أن الشعوب والأمم تصبح أفضل حالاً حين لا يكون زعماؤها أذكياء فحسب، بل وحين يتحلون بالأخلاق أيضاً (كما أثبتت جاسيندا أرديرون، وأنجيلا ميركل، وتساي إنغ وين). في عالم طبيعي لم نكن لنحتاج إلى وباء عالمي لندرك هذا، لكن في عالمنا أدركناه بشدة.

وتماشياً مع التحليل التلوي الذي أُجري مؤخراً، فإن أنماط القيادة الأخلاقية و الخدمية تثير أعلى مستويات الثقة في الأتباع، فضلاً عن القيادة التحويلية و التبادلية. ولكن من المؤسف أن أغلب الناس لا يتعرضون إإلا قليلاً للقيادات الخادمة و الأخلاقية، ولعل هذا هو السبب الذي يجعلهم يعتقدون أن أتمتة الزعماء من خلال الذكاء الاصطناعي من شأنه أن يزيد من النزاهة والشفافية. وكما أشار يوفال هراري، فالأمر ليس أننا بالضرورة لدينا ثقة كبيرة في الذكاء الاصطناعي، بل أننا لا نشعر بالثقة المفرطة تجاه الغباء البشري.

وحتى حين يحقق زعماؤنا نتائج ملموسة، كما هي الحال مع المديرين التنفيذيين الفعالين في الشركات، فهناك ضغوط متزايدة عليهم لحملهم على العمل كشخصيات أخلاقية، خاصة وأن الأخلاق أصبحت غائبة عن الوضع الراهن هذه الأيام. لذا فإن 86% من الناس يتوقعون أن يتولى المديرون التنفيذيون المسؤولية فيما يتصل بالأمور الاجتماعية، فيتحدثون علناً عن قضايا بالغة الأهمية مثل تغير المناخ، وأتمتة للوظائف، والتمييز العنصرى أو الطبقى في مكان العمل. ويبين نفس التقرير البحثي أن ما يقرب من 70% من الناس يتوقعون تدخل المديرين التنفيذيين عندما تفشل الحكومة في معالجة مشاكل اجتماعية كبيرة، مثل وباء كوفيد -19. وكما يلاحظ سكوت غالاوي في كتابه الرائع الذي صدر مؤخرا، "إن العمل الخيري أقل موثوقية وأقل مساءلة، ولا يتسع نطاقه. ولكن في ظل هذا الوباء، نتطلع إلى بل غيتس لكي يملي علينا ما يتعين علينا أن نفعله، بعد أن تضاءل حجم الدكتور فاوتشى. ننتظر (تيم كوك) ليحضر لنا الأقنعة، و (إيلون ماسك) ليزود أجهزة التهوية، و (جيف بيزوس) ليطعمنا، لأن (وكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية) و (مركز مكافحة الأمراض) لا يقومون بذلك". ولكن بناء المجتمع على النوايا الحسنة غير القابلة للمساءلة من جانب أصحاب المليارات ليس وصفة لتحقيق الرخاء في الأمد البعيد. كأنك تطلب من (بابلو إسكوبار) تمويل الشرطة لتحسين أدائها.

والخلاصة أن المشكلة الحقيقية ليست أننا لا نثق في قادتنا، و لكن المشكلة أننا نثق في قادتنا. وفي ظل بؤس الأداء النموذجي للقادة، فسوف يكون من الصعب أن نجد أسباباً عقلانية للاحتفاء بهم. ولكن من الواضح أن القادة غير المناسبين ما كانوا ليصعدوا إلى السلطة لولا الثقة التي كانوا يتمتعون بها جوراً. أو نستطيع أن نقول بعبارة أخرى إن القضية لا تكمن في الافتقار إلى القادة الموهوبين، بل في أننا نميل إلى التغاضي عنهم لصالح البدائل الأكثر بهرجة وكاريزمية، ولكنها بدائل غير كفؤة.

مقال مترجم لـ توماس تشامورو-بريموزيك من مجلة فوربس

قد تُعجبك هذه المشاركات