المحتويات [إظهار]
وفقاً لما حققته حتى الآن، تُعد تلك الحركة كواحدة من أنجح الحركات القائمة على التعاون بين الأديان في العالم الحديث.
في 23 يونيو 1969، في مقر اللجنة اليهودية الأمريكية في وسط مانهاتن، التقى المبشر بيلي غراهام مع عشرين من الحاخامات و القادة اليهود. ووفقاً لأحد الحاخامات، كان الاجتماع للسماح لغراهام للتعبير عن "الحاجة إلى الحوار والتواصل" بين الإنجيليين الأمريكيين واليهود الأمريكيين، وإيجاد أرضية مشتركة من خلال شرح "كيفية العلاقة مع إسرائيل". وكانت تلك لحظة محورية في العلاقة بين الأديان اليهودية والإنجيلية البروتستانتية الأمريكية.
وعلى الرغم من أن بعض القادة اليهود كانوا حذرين من ذلك "الأصولي الجامح"، إلا أن غراهام كسبهم. فقد استشهد بالأسفار العبرانية، أو العهد القديم، لوصف فهمه لعهد الله مع الشعب اليهودي، وأوضح دعمه لإسرائيل كتعويض عن المسيحية المعادية لليهودية في الماضي. وقال: "جميع المسيحيين مذنبون فيما يتعلق بالاختبار اليهودي". كما تحدث غراهام عن محادثاته مع رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير، وأكد للقادة اليهود الأمريكيين أن رئيس الولايات المتحدة ريتشارد نيكسون كان "متعاطفاً للغاية" مع إسرائيل.
واليوم، بالنسبة للعديد من الإنجيليين، لم تعد الصهيونية المسيحية مجرد قضية جانبية. فهم يعتقدون أنهم لا يصححون الظلم القديم المتمثل في معاداة السامية فحسب، بل يسهمون أيضاً في خلاص العالم وإستكمال خطط الخلاص الإلهي. وفي نظر العديد من الناس، فإن هذا التحول هو الذي يجعل من الدراما التوراتية والأحداث الجارية مفهوماً، ويقدم خارطة طريق للمستقبل.
وقد تضمن اجتماع عام 1969 جميع العناصر الأساسية التي تميز الدعم الاستثنائي الذي يقدمه البروتستانت الإنجيليون في الولايات المتحدة لدولة إسرائيل. وقد تكررت روح هذا الاجتماع عشرات المرات منذ ذلك الحين. لقد نسج غراهام قراءة إنجيلية للكتاب المقدس، وتوقاً عميقا لمساعدة إسرائيل، وحسابات قوة المصلحة الذاتية لكل من الطائفتين في لغة التقارب بين الأديان والمصالح اليهودية المسيحية المشتركة. وعلي الجانب الآخر كان زملاؤه اليهود، المهتمون بمستقبل إسرائيل، والمعرفون بتأثير الإنجيليين، حريصين على إنشاء خطوط جديدة للتعاون.
وبالضغط على لاهوته الخاص، كان غراهام ليؤكد إلتزامه بمزاعم الحقيقة الخالصة للمسيحية، في حين أن القادة اليهود الأمريكيين احتفظوا بتفردهم اللاهوتي. ومع ذلك، أدت مجموعة المصالح المشتركة الخاصة بهم إلى شراكة قوية ودائمة. وتحالفهم هو أحد أبرز حالات التعاون بين الأديان في التاريخ الحديث.
في أعقاب الحروب الدينية في أوروبا، نمت المطالبات الحصرية للحقيقة الدينية -"التعصب اللاهوتي"، كما سماها جان جاك روسو في العقد الاجتماعي (1762)- لينظر إليها على أنها عائق للعلاقات المدنية. كتب روسّو: " يستحيل العيش في سلام مع الذين نعتبرهم ملعونين من الله، فأن نحبهم هو إعلان بغض لله يعاقبنا عليه: يجب ان نُصلحهم أو نُعذبهم". لكن تحالف الإنجيليين الأمريكيين واليهود الأمريكيين يثبت أن قول (روسو) ليس بالضرورة صحيحاً.
وبعد مضي نحو ما يقرب من 50 عاماً من هذا الإجتماع، لا يزال الإنجيليون واليهود على خلاف حول معظم المسائل اللاهوتية والثقافية. وبرغم هذه الخلافات الشاسعة، نجحا في توحيد صفوفهما ــ في تعاون أوثق من أي وقت مضى ــ عن طريق دعم إسرائيل. لم يرث أي فرد مكانة غراهام على قمة الإنجيلية الأميركية، ولا يشترك خلفاؤه المتعددون في المواقف الموحدة في التعامل مع إسرائيل. ولكن العديد منهم يتزعمون منظمات صهيونية مسيحية مؤثرة تشكل واحدة من أشهر الحركات ذات القضية الواحدة و الهدف المشترك في السياسة الأميركية الحديثة.
لقد حقق الصهاينة المسيحيون وحدة وتأثيراً استثنائيين على دعم إسرائيل، باستخدام مزيج معقد من المكونات الدينية والتاريخية والسياسية. وهم يؤكدون على نوع قوي من المشاركة بين الأديان التي ترفع من مستوى لغة العهد التوراتي، وتقدم نسخة منقحة من الماضي اليهودي المسيحي، ولكنهم يوجهون عملهم أيضاً نحو الهدف العملي المتمثل في زيادة النفوذ السياسي.
إن فهم الصهيونية المسيحية كمثال هام للتعاون بين الأديان يساعدنا على فهم الطرق القوية التي شكلت بها ليس فقط العلاقات بين اليهود والمسيحيين ولكن أيضا هوية الإنجيليين الأمريكيين.
لا يقل عمر التعاون بين الأديان عن عمر رحلة موسى إلى مدينّ، عندما لجأ من مطارديه المصريين إلى رعوئيل (أو يثرون)، وهو كاهن دين مجهول، والذي أصبح فيما بعد والد زوجته. ومع ذلك ، فإن مجرد عمل الناس من مختلف الأديان معاً ليس جوهر التعاون بين الأديان(Interfaith). المصطلح حديث ، ومعناه موجود في القرن العشرين.
إن الأفكار الليبرالية في التعاون بين الأديان تحيي القيم التقدمية، وتوسع نطاق التسامح، وتساعد في بناء مجتمعات مدنية أكثر ديمقراطية. والتعاون بين الأديان هو المثال الليبرالي المثالي. فمن الكاتبة البريطانية كارين أرمسترونج إلى الناشط الأميركي إيبو باتيل، يزعم أنصار الليبرالية أن الأفراد والمجتمعات من خلفيات دينية مختلفة سيجعلون العالم مكاناً أفضل إذا تعاونوا وعملوا معاً.
تقدم المنظمات غير الربحية مثل مركز شباب بين الأديان في شيكاغو وحوار تنمية الأديان العالمية في واشنطن العاصمة، العديد من الأمثلة التاريخية للتعاون بين الأديان، وهي دائماً تأتي بأفكار تقدمية. وتشمل هذه الشراكة الحقوق المدنية بين القس مارتن لوثر كينغ الابن والحاخام أبراهام جوشوا هيشيل، والتعاون بين غاندي و عبد الغفار خان في الحركة من أجل استقلال الهند. وفي بعض الأحيان، يبرز المؤيدون الثقافة التعاونية للأندلس في إسبانيا في العصور الوسطى وبين العقل المستنير آكبر حاكم إمبراطورية المغول. هذه الأمثلة تشير إلى المزيد من التعايش السلمي، والمزيد من المساواة، والمزيد من السعادة، والمزيد من العدالة، والمزيد من الحضارة.
فى حالتنا هنا و هي الصهيونية المسيحية فهي ترفض المثل العليا التقدمية وتتبنى فهماً مختلفاً جداً للعالم. لهذا السبب ينظر إليها -من قبل علماء الاجتماع والصحفيين الليبراليين في الغالب -ليس باعتبارها رائدة في التعاون بين الأديان بل كحركة مروعة، أو تجمع سياسي يميني، أو حتى مشروع استعمار جديد. ومن المؤكد أن هذه التحليلات تقدم رؤى ثاقبة مفيدة، ولكن باعتبارها حركة من المسيحيين الساعين إلى التعاون مع اليهود، فإن الصهيونية المسيحية تمثل أيضاً واحدة من أهم القضايا بين الأديان في التاريخ الحديث.
يسعى الصهاينة المسيحيون إلى تفعيل ما يعتبرونه قيم التعاون اليهودي المسيحي من الناحية السياسية والدينية. وبدءً بقضية سياسية محددة -رفاهية إسرائيل - تقوم الصهيونية المسيحية ببناء العلاقة بين الأديان لخدمتها. وقد بُنيت الحركة لجعل هذا الهدف حيوي بالنسبة للمسيحيين الإنجيليين وهويتهم.
تطرح الصهيونيّة المسيحيّة رؤية محدّدة للضمانات الإلهية العهديّة وتحقيقها الإسخاتولوجيّ. وباختصار، فهو يجعل من وعود الله ومداها أكثر يقينية، وأكثر انتقائية، وحصرية في فهم تعاملات الله مع البشر. هذا التفرد فى التفسير وتلك الخصوصية يضع الصهيونية المسيحية بعيداً عن الحركات الدينية الأخرى، حيث تذهب بعيداً في تفسير ارتباطها بفهم معين للهوية اليهودية.
الإسخاتولوجيا أو علم الآخرات أو علم آخر الزمان (بالإنجليزية: Eschatology) هو جزء من اللاهوت يهتم بالأحداث النهائية للتاريخ، أو المصير النهائي للبشرية. يُشار إلى هذا المفهوم عادة باسم «نهاية العالم» أو «نهاية الزمان». يعرف قاموس أوكسفورد الإنجليزي علم الآخرات على أنه «جزء من اللاهوت معني بالموت والدينونة والمصير النهائي للنفس والجنس البشري».
والمسألة التي تعود فيها هذه الخصوصية بمكاسب على العلاقات بين الأديان تتلخص في تأمين حيازة اليهود لأرض إسرائيل المتعهد بها. تتكون "الأرض" من مواقع التاريخ الإنجيلي والحدود المنصوص عليها في الكتاب المقدس التي يمنحها الله في سفر التكوين لأبناء إسرائيل. بالنسبة للصهاينة المسيحيين، هذه الحدود تشكل الحدود المثالية لدولة إسرائيل وتشمل الضفة الغربية المتنازع عليها.
كان أمر بالغ الأهمية أن تتشكل الصهيونية السياسية للإنجيليين في الولايات المتحدة بعد الحرب العربية الإسرائيلية في يونيو/حزيران 1967. وكان هذا التوقيت يعني أن الفهم الإنجيلي لإسرائيل في مرحلة ما بعد عام 1967 أصبح منشغلاً بسيادتها على الأرض المتعهد بها. وفي أعقاب تلك الحرب، التي شهدت سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، لم يقرر اليهود أنفسهم أهمية إسرائيل. كان الاتجاه الأكثر وضوحاً وتوقعاً في إسرائيل هو التأكيد على مركزية عنصر الأرض بالنسبة للهوية اليهودية. فتم تأطير اليهودية بأكملها، على حد تعبير المسؤول الإسرائيلي يونا مالاكي، إلى "الاتحاد الثلاثي بين الدين والأرض والشعب". محذراً فى عام 1969 "يجب أن يصبح الاعتراف بالعلاقة بين الشعب اليهودي وبلده الموضوع الرئيسي لأي حوار مستقبلي بين المسيحية واليهودية".
بين اليهود الأمريكيين أنفسهم، كان هناك إجماع أقل على تفوق فكرة الأرض الموعودة على معنى فكرة إسرائيل، على الرغم من أن الكثيرين بالتأكيد رأوا نجاح إسرائيل كجوهر لهويتهم الخاصة. ادعى أحد الحاخامات المحافظين الأمريكيين البارزين، آرثر هرتزبرغ، في عام 1971 أن "دولة إسرائيل… أمر ضروري لاستمرارية اليهود واليهودية". و أصر الحاخام مارك تانينباوم، مدير الشؤون الدينية في اللجنة اليهودية الأمريكية ومنظّم اجتماع غراهام عام 1969، على أن "المسيحيين يواجهون ويقبلون المعنى التاريخي والديني والثقافي والليثورجي العميق لأرض إسرائيل والقدس للشعب اليهودي".
وجد الإنجيليون البروتستانت الأمريكيون أن هذه المطالب مقنعة، في الغالب لأسباب تتعلق بأفكارهم الخاصة حول "آخر الزمان" والمجئ الثاني للمسيح. بالنسبة لبعض الإنجيليين، مثلت إسرائيل "ساعة الله" ومركز تحقيق النبوءة الإنجيلية. وبالنسبة للآخرين ، كانت هذه شهادة على إخلاص الله لشعبه المختار. كما أكدت العديد من هذه المصالح الإسخاتولوجية على الدور المركزي لإسرائيل في آخر الزمان.
بعد عام 1967، تبنى الصهاينة المسيحيون النبرة اليهودية المستجدة على إسرائيل باعتبارها ملكاً لهم. بالنسبة للمعلم الإنجيلي الأمريكي والناشط جي دوغلاس يونغ، كانت المأساة أن "المسيحيين في الولايات المتحدة لم يفهموا فهم اليهود لأنفسهم وإهتمامهم بأرض إسرائيل". ترأس يونغ مدرسة عليا إنجيلية في القدس مكرسة لمهمة مساعدة الطلاب على معالجة مشكلة التقييم الذاتي لليهودي واهتمامه بالأرض. إنتقائيته لتعريف التفسير اليهودي لإسرائيل (التعريف المتبنى من الصهاينة الإسرائيليين إلى حد كبير) لا ينبغي أن ينتقص من فهمه الصريح المبنى على بين الأديان (Interfaith) لمهمته.
وسرعان ما تبعه الإنجيليون الآخرون. وإلى جانب غراهام، أشار رؤساء الرابطة الوطنية للإنجيليين واتفاقية المعمدانيين الجنوبيين في أواخر الستينات إلى الانفتاح لاعتماد ما أسموه "الفهم الذاتي اليهودي" لإسرائيل. الذي كان في الأساس تخلياً عما تعنيه إسرائيل سابقاً وما ينبغي لها أن تعنيه في عالم اليوم، متشبثين بعلم الإسخاتولوجيا الذي يتوقع نهاية سيئة لكل غير المسيحيين، بما في ذلك الغالبية العظمى من اليهود.
بعد عام 1967، ومن نقطة البداية الضيقة المتمثلة فى تداخل الإهتمام بأمن إسرائيل، وضع الصهاينة المسيحيون وشركاؤهم اليهود مجموعة مشتركة من القيم. وسرعان ما وسع الصهاينة المسيحيون تفكيرهم ليشمل قضايا مثل معاداة السامية والإضطهاد الديني والعلمانية. واليوم، أصبحوا أكثر أنصار إسرائيل نشاطاً في حرم الجامعات الأميركية. يعارضون حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، ويمارسون الضغط على الحكومات في جميع أنحاء العالم لصالح إسرائيل.
وكان التركيز المشترك على من يعتبرون أعداء إسرائيل جزءاً لا يتجزأ من هذه النظرة العالمية. إن الفلسطينيين العرب (المسيحيين والمسلمين) نادراً ما ينصت إليهم الصهاينة المسيحيون، والمبرر الذي كثيراً ما يُطرَح لذلك هو التضامن بين الأديان الموجود بالفعل لصالح إسرائيل. بيد أن كل خطوة يتخذها الصهاينة المسيحيون تجاه اليهود تعني في الواقع خطوة بعيداً عن المسلمين. إن الوعد بالحوار "الإبراهيمي" أو التعاون الثلاثي بين الأديان لا يقل عتمة و بهتة عن الوعود في الصهيونية المسيحية. وباسم التعاون بين الأديان، يجد الصهاينة المسيحيون مبررات لاهوتية لمعظم السياسات الإسرائيلية.
بغض النظر عن هذه الخيارات السياسية، يفهم الصهاينة المسيحيون دعمهم لإسرائيل كمشاركة في عمل الله نحو الخلاص. ومع بزوغ فجر المنظمة الإنجيلية الأميركية من أجل إسرائيل ، دعا يونغ إلى العمل باعتباره امتداداً ضرورياً للإيمان المسيحي. "هل تساعد أمة اسرائيل الجديدة؟" سأل في مجلة "العروس والزوجة" (1960) "هل تساعدهم بالوسائل المادية والجسدية؟ هل تعبر عن صداقتك الحقيقية دائماً؟" إن تحمل عبء أمن إسرائيل، كما قال يونغ، كان واجبًا مسيحيًا وتعبيرًا ملموسًا عن التضامن بين الأديان بين شعبي الله المختارين، الكنيسة وإسرائيل.
أدى تأثير الصهيونية إلى إعادة التعاون بين الأديان مع اليهود باعتباره تحقيقا للهوية الإنجيلية وليس إنحرافاً عنها. ويتجلى هذا بوضوح في مجال البعثات التبشيرية الإنجيلية إلى اليهود، وهو ما كان يشكل منذ أمد بعيد الحاجز الأكثر إثارة للخلاف أمام أي نوع من أنواع التقارب بين اليهود والمسيحيين. ونتيجة للنشاط الصهيوني المسيحي، القادة الإنجيليين -من جون هاجي، مؤسس منظمة مسيحيين متحدين من أجل إسرائيل (أكبر منظمة مسيحية صهيونية في الولايات المتحدة) إلى القيادة الأوروبية للسفارة المسيحية الدولية في القدس (أكبر منظمة مسيحية صهيونية في العالم) - رفضوا تلك البعثات التبشيرية.
سعى كتاب هاغي في الدفاع عن إسرائيل (2007) للحد من الإلتزام الإنجيلي للبعثات التبشيرية لليهود من خلال الادعاء بأن يسوع لم يقصد حقا إنقاذ اليهود. 'اليهود لم يرفضوا يسوع كمسيح؛ فقد كتب أن يسوع هو الذي رفض الرغبة اليهودية في أن يكون مسيحهم، فاتحاً الطريق أمام اليهود للخلاص من خلال عهدهم مع الله. أدي غضب زملائه الإنجيليين بهاجي إلى تنقيح هذه اللغة المحددة، ولكن ما زال مدافعاً عن موقف منظمته بالإمتناع عن تلك البعثات.
وبدلاً من تأييد البعثات، أعاد هاجي وغيره من الصهاينة المسيحيين تقديم الدعم لإسرائيل باعتباره تكفيراً مسيحياً ضرورياً لسوء معاملة الكنيسة لليهود في الماضي. وكثيراً ما يكون الشعور بالذنب الذي يشعر به الصهاينة المسيحيون ملموساً. كتب هاجي: "إن معاداة السامية ترجع أصولها وهيكلها الجذري الكامل إلى المسيحية، التي يرجع تاريخها إلى الأيام الأولى للكنيسة المسيحية". هذه اللغة هي صدى للغة اللاهوتيين المسيحيين في فترة ما بعد الهولوكوست -بما في ذلك الأب إدوارد فلانيري، الذي يستشهد هاغي بكتابه غضب اليهود (1965) كتكويني لفهمه للتاريخ اليهودي المسيحي.
إن دعم إسرائيل ليس أكثر من جانب واحد من عملية إعادة التقييم الإنجيلية لليهودية مؤخراً. وينظر الإنجيليون إلى اليهودية الآن نظرة أفضل على أنها ديانة "قتلة المسيح" و "الفريسيون". وتشمل أسباب هذا التغيير التراجع في وجهات النظر المعادية للسامية - في أعقاب الهولوكوست- بين جميع الأمريكيين، وتعددية الديانة المدنية "اليهودية - المسيحية" بعد الحرب، وأقلها شهرة، ثورة في دراسات الكتاب المقدس والمجالات ذات الصلة التي تؤكد على التأثيرات "العبرية" وليس"الهلنستية" على الكتاب المقدس. ومع ذلك ، لم يكن الالتزام المبدئي بالتعددية هو الذي أثار التغيير في وجهات النظر الإنجيلية لليهود واليهودية، بل كان المزج بين علم الإسخاتولوجيا المسيس و سلطة فكرية جديدة تحث على توثيق التعاون بين اليهود والمسيحيين هو السبب الرئيسي.
وحتى خارج الحركة الصهيونية المسيحية، غيّر العلماء الإنجيليون للمسيحية المبكرة واليهودية فهمهم للعلاقات اليهودية المسيحية في الكليات والمعاهد الإنجيلية في جميع أنحاء الولايات المتحدة. و بدلاً من اليهودية كمرآة سلبية للمسيحية ("القانون" إلى "نعمة" المسيحية، و بدلاً من "الخصوصية" المسيحية إلى "العالمية") يشدد العلماء الآن على التراث اليهودي للمسيحية والقيم المتداعمة للتقليديّن.
وعلى مدى الجيلين الماضيين، درس العديد من العلماء الإنجيليين الدافعين إلى هذا الاتجاه في مؤسسات يهودية: كمارفن ويلسون، الذي كتب كتابه "الأب إبراهيم: الجذور اليهودية للإيمان المسيحي" (1989) الحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة برانديز في ماساتشوستس، التي ترعاها الطائفة اليهودية؛ حصل الشاب المذكور أعلاه، مؤسس مؤسسة جسور من أجل السلام، أقدم منظمة صهيونية مسيحية، على درجة الدكتوراة من كلية دروبسي في بنسلفانيا، وهو الآن رئيس مركز هربرت كاتز للدراسات اليهودية المتقدمة. درس جيل لاحق من العلماء الإنجيليين في الجامعة العبرية في القدس، بما في ذلك براد يونغ (لا علاقة له بـ جى دوغلاس يونغ)، وهو الآن أستاذ الدراسات اليهودية المسيحية في جامعة أوبال روبرتس في أوكلاهوما التى خرّجت مؤخراً أول طالب إسرائيلي أرثوذكسي في نفس المجال. وقد دعم هؤلاء العلماء، بدرجات متفاوتة، القضايا المسيحية الصهيونية شخصياً، وجميعهم يدعون أن الإتفاق مع اليهود على إسرائيل خير أخلاقي ولاهوتي.
وقد شجعت الأصوات اليهودية هذا التغيير في الموقف. ديفيد بروج، مدير مسيحيين متحدين من أجل إسرائيل، يدعو اليهود والإنجيليين بـ "إخوة الدم". ويرأس الحاخام شلومو ريسكين، مؤسس مستوطنة إفرات في الضفة الغربية، مركز التعاون والتفاهم اليهودي -المسيحي، وينظم مجموعات الصلاة اليهودية الإنجيلية المشتركة، ومجموعات قراءة الكتاب المقدس، والتجمعات المؤيدة لإسرائيل.
وتنشأ الأجزاء المكونة للفكر الصهيوني المسيحي من هذا الوسط المتمثل في التحول والتفاعل بين الفكر الإنجيلي والفكر اليهودي. وهناك أعمال مسيحية أخرى، أقل شهرة ولكن ليس أقل أهمية، قد ألهمت التحول في المواقف الإنجيلية. كالدراسة الرائدة لـ إي بي ساندرز حول خلفية بولس العبرية، و أعمال علم آثار الكتاب المقدس لويليم فوكس أولبرايت، وأبحاث العهد الجديد للباحث الإسرائيلي ديفيد فلوسير. مثل تلك الأعمال وفرت الأسس لحوارات يهودية مسيحية رائعة ظهرت في جميع أنحاء أمريكا الشمالية وأوروبا، بداية من إعلان نوسترا آيتايت الصادر عن الكنيسة الكاثوليكية في عام 1965 إلى مجلس الكنائس العالمي بإعلان إدانة معاداة السامية.
وخلافاً لمعظم اللقاءات بين الأديان في القرن العشرين ، تمكن الصهاينة المسيحيون من تجميع هذه الرؤى والمزاعم بحجة مفادها أن التعاون لم يكن ذا معنى إلا إذا تحقق من خلال العمل السياسي. وتمكنوا - جوهرياً- من ربط الرؤى الأكاديمية والتنظيم السياسي بوصفهما وجهين لعملة الهوية الإنجيلية. والواقع أن قِلة من الناشطين أو جماعات المصالح الخاصة كانت أكثر فعالية في التوفيق بين المنح الدراسية والعمل السياسي.
وعلى غرار معظم اليهود الأمريكيين، يختلف اليهود الإسرائيليون مع الإنجيليين الأمريكيين بشأن مجموعة من القضايا الدينية والثقافية والسياسية، من الإقتصاد إلى الإجهاض إلى الخدمة العسكرية للنساء. إن الاختلافات الثقافية بين الإنجيليين والإسرائيليين شاسعة. ولكن الصهيونية المسيحية تُظهِر أن القيم المشتركة لا تحتاج إلى شئ آخر لتكون أساساً للتعاون بين الأديان. وقد واجهت الرابطة الإنجيلية الصهيونية تحديات كبيرة واستمرت بالتشبث بمجموعة ضيقة جدا من المصالح المشتركة. ولكن الأفكار التي تقوم عليها الصهيونية المسيحية تشكل الهوية الإنجيلية والتفاهمات الإسرائيلية للولايات المتحدة.
إن كلامنا أبعد ما يكون عن تأييد للصهيونية المسيحية. والواقع أن الانتقادات الموجهة إلى سياسات الحركة، وعقيدتها، وميلها إلى الترويع و التهويل، وتجاهل التجربة والمصالح الفلسطينية والجهل بها، والصور النمطية المعادية للمسلمين، والولاء المطلق لإسرائيل، كل ذلك يستحق المناقشة. ولكن لا يدفعنا أن نشوه حقيقة أقرتها الصهيونية المسيحية. فقد نجح تحالف أساسي قائم على التعاون بين الأديان في تزويد الصهاينة المسيحيين بالمعلومات ودفعهم إلى داخل قاعات السلطة. لقد نجحوا، بطريقة لم تفعلها الكثير من الحركات القائمة على التعاون بين الأديان.
مقال مترجم من مجلة آيون يساعدنا فى تقديم فهم أعمق لحركة الصهيونية المسيحية حركة بين الأديان تختفى داخل المشهد المكون ليومنا العادي
إرسال تعليق