هل انتهى الزواج ؟ وكيف سنرتبط فى المستقبل ؟

هل انتهى الزواج ؟ وكيف سنرتبط فى المستقبل ؟

المحتويات [إظهار]
انتهاء الزواج، كيف نرتبط فى المستقبل ؟



الزواج عادة موجودة في كل مجتمع، ولكن معدلات الزواج في تراجع حاد على مستوى العالم. هل للعلاقات الحميمة طويلة الأمد دور في هذا؟

في الـ 17 من عمره، فكر جون همفري نويس كثيراً بالنساء. فحين كان مراهقاً خجولاً برقبة ثاقبة وأكتاف متراخية، انزعج كثيراً من مدى جمال المظهر الذي هو مفتاح النجاح، وخصوصاً عند ملاحقة النساء. وكان خجولاً، فقد كتب في يومياته "إن خجلي غير منطقي ومفرط جداً، حتى أنني اؤمن تماماً إنني قادر على مواجهة فوهة مدفع بخوف أقل من التواجد في غرفة مليئة بسيدات لم اعرفهم من قبل". لم يكن يعرف أنه سيمارس الجنس مع عشرات النساء، وينجب أطفالاً من تسعة منهم على الاقل خلال عشر سنوات.

وُلد نويس سنة ١٨١١. وكان والده عضو بالكونغرس عن ولاية فيرمونت. وعملت أمه على غرس التربية الدينية في ابنها، آملة أن يصبح خادماً أبدي للإنجيل. وفي سنة ١٨٣١، بدا من المرجح ان تتحقق أمنيتها. عندئذ، اعلن نويس (٢٠ سنة) انه سيكرّس نفسه لخدمة ال، ودخل معهد لاهوتي في أندوڤر، ماساتشوستس. ولكن بدلاً من قبول عقيدة معلميه، انهمك في الضجة التنويرية التي اجتاحت المنطقة الشمالية الشرقية كالنار في البراري. فغادر أندوفر متوجهاً  الى جامعة ييل وأثار ضجة عندما بدأ يبشر بمذهب الكمالية، الفكرة المهرطقة القائلة أن الحياة الدينية يجب ان تكون خالية من الخطيئة. وأصبح نويس، الذي أصبح مولعاً بالجدال و ذو كاريزما، من المشاهير المحليين واجتذب حشوداً صغيرة من المؤيدين والمعارضين والخرقاء (gawker هو الشخص الذي يحدق علانية فى شخص ما أو شئ ما).

في ذلك الوقت التقى نويس بـ أبيجيل ميروين. كان عمره 22 عاماً وكانت في الثلاثين من عمرها. من الصعب العثور على تفاصيل عن (ميروين) عدا أنّها كانت ذكية وجميلة ومتواضعة، ولديها عينان رماديتان داكنتان. فكثير من أوصاف نويس لها مشبعة بالصور الدينية المبهجة. أثناء الفترة التي اعتاد أن يتوقف فيها عن الأكل والنوم وتجول بدلاً من ذلك في شوارع مانهاتن، تخيلها " تقف فى مكانها على قمة الكون، في مظهر ملاك ممجد" (رغم أنه تساءل في هوسه ذلك ما إذا كانت هى الشيطان متجسداً بالفعل).

كانت (ميروين) أول أتباع (نويس)، وقد أحبها. وفي اعترافاته بتجربته الدينية (1849)، اعترف بأنها "دون شك هي الشخص الذي كنت مرتبطاً به أكثر من أي شخص آخر على وجه الأرض". لقد انجذب إلى جمالها وتواضعها وجرأتها، ولكن الأهم من ذلك أنه استمد الإلهام من صحبتها. كتب: "كانت أبيجيل ميروين رفيقتي الاولى في الايمان بالقداسة... كان من الطبيعي أن أوليها باهتمام و ثقة فريدين".

عدم استقرار (نويس) أخاف (ميروين) في النهاية، وبعد نوبة الهوس التي جائته في نيويورك، تخلت عنه وعن السعي وراء الكمال. فطلب منها والدها لاحقاً ان تبتعد عنه. ولكن عندما أعلنت ميروين خطبتها لرجل يدعى ميريت بلات، أرسل نويس لها رسالة. وأعلن فيها قائلاً: "لقد أحببتك كما لم أحب أبداً شخصاً آخر"، معترفاً بأن "فكرة الزواج لا مفر منها". بالتأكيد، كانت مخطوبة، لكن ذلك لم يضايق (نويس). فقد كان مقتنعاً أنهما مرتبطان برباط زواجي إلهي: "سيعلمك الله انه انضم إلينا و شاهد علينا في زواج خالد، وأن ما جمع الله بالإنسان معاً لا يمكن ان يفسد".

انتقلت ميروين وزوجها الجديد إلى إيثاكا. وتبعهم نويس، لكن (ميروين) رفضت الإعتراف به. في ذلك الوقت بدأ نويس في تطوير مذهبه الخاص بالحب الحر والتي من شأنها أن تبرر وجود علاقة بينه وبين ميروين وقد شرح هذه الافكار في رسالة إلى صديقه دايڤيد هاريسون. شارك هاريسون الرسالة فى نهاية المطاف، وظهرت في الصحف محدثة جلبة كبيرة على مدار ساحل الأطلسي. ستجعل تلك الرسالة نويس مشهوراً ومحتقراً فى نفس الوقت. الفقرة الأخيرة منه هي الأكثر إثارة للجدل:
    
عندما تتم مشيئة الله على الارض، كما في السماء، لن يكون هناك زواج. سيكون عشاء الزواج عبارة وليمة حيث كل طبق مجاني لكل ضيف. فالملكية الحصرية، والغيرة، والشجار، ليس له مكان هناك …أدعو امرأة معينة بزوجتى، هى ملك لك و هى للمسيح وفيها فهي عروس لكل القديسيين  وهي عزيزة في يد شخص غريب آخر ووفقاً لوعدي لها أبتهج لذلك. إدعائي لها يتقاطع مباشرة مع عهد الزواج فى هذا العالم. والله وحده يعلم النهاية. 

لقد كان خطة مستحيلة، فقد هاجم مؤسسة عزيزة. وقد أثار ذلك حساسيات سكان نيو إنجلاند الذين يخافون الله. ومع ذلك، نجح نويس بطريقة ما في نشر خطته.

واليوم، اشتهر نويس بتأسيس مجتمع الأونيدا، مدينة عقائدية يوتيوبية نجحت، بين طموحات أخرى، في القضاء على الزواج التقليدي. حيث يمكن لأي رجل أن يطلب من أي امرأة ممارسة الجنس؛ ويمكن لكل امرأة بدورها أن ترفض أي رجل. مصطلح الأسرة النواة اختفى، والأزواج الذين أقاموا علاقات رومانسية أحرار فى عدم استمرار العلاقة، وكانت الممتلكات ورعاية الأطفال كلاهما ملكية مشتركة. فالمجتمع يقاوم أشكال الحب اللزجة لدرجة أن الأمهات والآباء يُدانون لإظهارهم مودة خاصة نحو أطفالهم.

إن تجربة أونيدا هي واحدة من سلسلة طويلة من الحملات المناهضة للزواج التي امتدت من القرن الثاني في شمال افريقيا إلى اسرائيل في القرن العشرين. ومثلهم جميعاً، فشلت تلك الحركة. فبعد 30 عاماً من الإنفاذ، و 30 عاما من النقد والتلقين العقائدي، كان الدافع لإقامة علاقات خاصة أقوى من أن يمكن السيطرة عليه. فثار الاعضاء الأصغر سناً. تطورت بعض العلاقات بشكل سري؛ وترك آخرون ذلك المجتمع وتزوجوا في الخارج. في ٩ حزيران (يونيو) ١٨٧٩، كتب احد المقيمين: " يستمر السخط وينتشر … هناك قدر كبير من عدم الإرتياح لتلك التجربة و القلق بين أصحاب الفكر، وجميعهم ينتظرون حدوث أمر حاسم".

فشل (نويس) في تدمير الزواج يثبت مدى مرونة تلك المؤسسة. ويشير ذلك إلى أن هناك شيء إنساني بعمق هو الذي يلهمنا لخلق والمشاركة في مؤسسة الزواج. ومع ذلك، فإن هذا ــ أولوية المؤسسة وميلها العنيد إلى الوجود باستمرار ــ هي التي تجعل هذه اللحظة التاريخية الحالية محيرة للغاية. ففي جميع أنحاء العالم، تنخفض معدلات الزواج. والأطفال المولودين خارج إطار الزواج يتزايدون بوتيرة غير مسبوقة. ولدى استعراض هذه الاتجاهات، حذر أحد المعلقين من أن "نهاية الزواج قد تكون وشيكة". هل هم على حق؟ هل الزواج محكوم عليه بالفشل حقاً؟ وإن كان كذلك، فلمَ؟ ما الذي يقتل أقدم مؤسسة في العالم؟

في عام 2002، نقلت صحيفة ديلي ميل عن دانكن وايت من مؤسسة ريليت -وهي أكبر منظمة لتقديم المشورة الزوجية في المملكة المتحدة - قوله إن الزواج "سيزول في غضون 30 عاماً". ورغم أن هذا العدد يترك أمامنا ١١ عاماً فحسب، فإنه ينسجم مع الاتجاهات الحالية في جميع أنحاء العالم. لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، غالبية الراشدين الشباب غير متزوجين. وفي العام الماضي، أبلغ مكتب المملكة المتحدة للإحصاءات الوطنية أن حالات الزواج بين الجنسين "لا تزال في أدنى مستوياتها التاريخية". وانفجر معدل الأطفال المولودين خارج إطار الزواج في العالم المتقدم النمو، متجاوزاً ٥٠٪ في البلدان الاسكندنافية وبلدان أخرى كثيرة. وكما خلصت المؤرخة ستيفاني كونتز، نحن "في خضم تحول تاريخي عالمي في الزواج والحياة الأسرية".

فالانهيار الواضح لمعدلات الزواج مذهل لأن فكرة الزواج منتشرة في كل مكان. لا شك أن هناك (أو كانت هناك) أماكن حيث تتزوج النساء مجموعات من الإخوة، حيث يستطيع الناس أن يتزوجوا من أبناء العم، حيث يشكل الزواج بندقية غراء ساخنة تربط الأسر معاً في تحالفات دائمة. بالتأكيد، فى بعض الأماكن يتم تدشين الزواج مع حفلات الرقص و الأطعمة، ويرتدي العريس مثل الأمير ويمتطي الحصان منتصراً، وتبتهج أسرته كالسجناء الذين تم إطلاق سراحهم، وفي أماكن أخرى من دون صخب على الإطلاق، يتقاسم الرجل صحن الطعام مع امرأة، والآن يعرف الجميع أنهم مجتمعون معاً. مؤسسة الزواج كالحرباء تتكيف مع القواعد والتوقعات المحيطة بها. ومع ذلك، وكما خلص عالم الأنثروبولوجيا جورج موردوك في بحثه المعنون "البنية الاجتماعية (1949)، "لم ينجح أي مجتمع في إيجاد بديل مناسب لفكرة للأسرة النواة".

لكن (موردوك) لم يكن يعرف عن الـ (موسو) في جنوب غرب الصين. تقع قبيلة الموسو فوق مستوى سطح البحر بأكثر من ميل ونصف، على الشواطئ الخصبة لبحيرة فيروزية تتوسطها الجبال دائمة الخضرة والتي تمتد أعلى جبل فوجي.

الموسو مشهورين بعدم الزواج وبدلاً من ذلك، لديهم نظام يسمونه تيسي، ترجمته الحرفية "يسيرون ذهاباً وإياباً". وفي علاقة تيسية، يعيش الرجل والمرأة ويأكلان في منزليهما مستقلين (لا توجد أوصاف للعلاقات التيسية المثلية). وعندما يضرب الهوي، يزور الرجل المرأة ويمضي معها الليل -مفترضاً موافقتها-، ثم يغادر في الصباح. وعلى الرغم من أن العديد من علاقات التيسيين طويلة الأمد، إلا أنه ليس هناك التزام بين الشركاء، ولا احتفال رسمي يبدأ أو ينهي العلاقة، ومن حيث المبدأ، يمكن للشركاء أن يتمتعوا بأكبر عدد ممكن من العلاقات التيسية. إنه شبيه بالمواعدة العرضية إلا إذا حملت المرأة فالأب لديه القليل من الالتزامات تجاه الطفل.

في الواقع، فلدى الـ (موسو) مؤسسة زواج أيضاً. لقد حصلوا عليها منذ أن وصل علماء الأنثروبولوجيا لأول مرة، والممارسة تبدو بشكل لافت للنظر مثل الزواج في الغرب المعاصر. ويطلقون عليها اسم زي -تشي -ها -دزي، وهي كلمة تعني "شرب الخمر وتناول الطعام" وتشير إلى احتفالات المشروبات الروحية وشطائر اللحم التي تصاحب مراسم الزواج. ومع ذلك فإن المتزوجين يشكلون أقلية ــ أو على الأقل كانوا أقلية ــ في مجتمع موسو. وعندما أجرى علماء الأنثروبولوجيا الصينيون دراسات استقصائية لأكثر من ١٧٠٠ شخص بالغ من الموسو في عام ١٩٥٦، وجدوا أن ٧٤٪ منهم يمارسون التيسي، في حين أن أقل من ١٠٪ منهم كانوا متزوجين رسمياً. حتى بعد أن غيرت الثروة والسياحة والتراث الثقافي حياة الموسو، يبقى الزواج لديهم شيئاً ثانويا. وفي عام 2008، أجرت عالمة الأنثروبولوجيا شيفون ماتيسون دراسة استقصائية لمجتمعات الموسو التي يرتادها السياح، فوجدت أن ١٣٪ من البالغين متزوجون في حين أن ٢٣٪ منهم يقيمون علاقات تيسية. أما نسبة ٦٤٪ الأخرى فقد كن عازبات أو تعايشن مع شركائهن. كان الزواج بين شعب الموسو أقل ظهوراً من اي مجتمع آخر على وجه الارض.

لكي نفهم لماذا كان الزواج ضعيفاً جدا بين الموسو، يلزم أولاً ان نكون واضحين بشأن ماهية الزواج. وهو يتألف من جزأين. الأول يتلخص في العلاقة الثنائية، وهي علاقة طويلة الأمد حيث يمارس شخصان الجنس عادة، ويعيشان معاً، ويتعاونان اقتصادياً، وينجبان أطفالاً و يربونهما. البشر مستعدون بيولوجياً للترابط فى شكل أزواج، ومن الطريقة التي ننظم بها العلاقة، يبدو هذا حلاً لتنشئة الأطفال. وهذا لا يعني أن البشر يدخلون في رابطة زوجية واحدة فقط في كل حياتهم، ولا يعني أن الإنحرافات عن الروابط الزوجية النموذجية خاطئة أو معيبة. في (اندونيسيا) الأزواج من عرقية المينانغ لا يعيشون معاً. في غرب أفريقيا، لا يجمع الأزواج من عرقية اليوربا مواردهم المالية في صندوق مشترك للأسرة. وعدد لا يحصى من الأزواج، في المجتمعات في كل مكان، لا ينجبون أو يرعون الأطفال. وعوضاً عن ذلك، ما أقصده هو أن البشر يميلون الى الدخول في علاقات طويلة الامد، وأن هذه العلاقات هي الأساس للزواج.

لكن الرابطة الزوجية وحدها لا تؤهل للزواج، ويجب أن نضفي عليها الطابع المؤسسي أيضاً. ولابد أن تكون العلاقة قائمة على امتيازات ومسؤوليات، في ظل قواعد معترف بها اجتماعياً مثل "لا أحد من الشريكين يستطيع ممارسة الجنس خارج إطار العلاقة"، أو "أي طفل يولد من ذلك الإتحاد يكون عضواً في مجموعة الأم"و غيرها من القواعد حسب كل مجتمع. ولتوضيح الأمر عندما يدخل زوجان في هذا الوضع المؤسسي، تعلن المجتمعات عن زيجات بإجراءات لا لبس فيها: على سبيل المثال، تقول "نعم، سأفعل" أو تقوم بتحطيم ذلك الكأس أمام الجميع.

وكلا ركيزتي الزواج تلك ضعيفتان بين الموسو، فالعلاقات التيسية ليست خالية من الشكليات المؤسسية فحسب، بل إنها تفتقر أيضاً إلى السلوكيات المشتركة بين أزواج البشر. صحيح أن الزوجين يمارسان الجنس، بل وينجبان أطفالاً في بعض الأحيان، ولكنهما لا يعيشان معاً، وتعاونهما الاقتصادي ضئيل مقارنة بخاصية تجميع الموارد التي تتسم بها أغلب الزيجات.

لماذا يتبنى الموسو تلك القيم الغريبة؟ يأتي أحد الردود من جياما، وهي امرأة من الموسو، والتي روت قصة حياتها في عام 1963 لعلماء الأنثروبولوجيا الصينيين. وكانت جياما أصغر 10 أشقاء والفتاة الوحيدة بينهم. لهذا السبب أوضحت جياما: " أمي دللتني منذ البداية. فهي لم تدعني أقوم بأي عمل ثقيل أو قذر، بل أمرت إخوتي أن يقوموا به".

أول علاقة تيسية لـ (جياما) جاءت عندما كانت في الـ ١٤ من عمرها، كانت متوترة بشأن الانتقال إلى غرفتها الخاصة وقبول الزوار من الرجال. "ضايقتني بعض الفتيات وقلن لي: « جياما، هل تخشين العيش وحدك في غرفة؟ » قلت: 'إلى حد ما' … في الوقت الذي فكرت فيه في نفسي، فتاة صغيرة مثلي، من سيجعلني axiao له (المسمى يطلق على الشريك في علاقة تيسية)؟ "

اتضح لجياما أن التيسي سلسة وسهلة، حتى أن شريكها الاول اقترح عليها الزواج. فأجابته جياما: "من الجيد جداً ان يكون أحدنا axiao للآخر. ولكن لا تذكر أبداً أنك تريد أن تأخذني كزوجتك وإلا كانت أمي وإخوتي سيبعدونك عنى".

اتخذت جياما شريكاً ثانياً. وعلى الرغم من أن العلاقة انتهت عندما أصبحت حاملاً. بعد إنجابها، اصطحبت ثلاثة شركاء آخرين -أحدهم كان ليانغزي بوبو، وهو رجل وصفته بأنه شاب وشريف ووسيم. وعندما أراد ليانغزي بوبو بدء علاقة مع جياما، أرسل لها ملحاً معطف وتنورة وأوراق شاي وحذاء. فالتقيا سنتين وأنجبت طفلها الثاني. أجبرت الأبوة ليانغزي بوبو على التقدم لها:

الجميع قال أن الطفل يشبه ليانغزي بوبو. كما كان فخوراً جداً وقال إنه يريد ان يتزوج في منزلنا ليكون صهراً. فأخبرته: ‹ لدي تسعة اخوة. من يحتاجك كصهر؟ إن أردت أن تكون axiao معي، فدعنا نبقي الأمر على هذا النحو. لا تنجرف بعيداً لتلك الأهواء مرة أخرى. بالطبع، لم يكن سعيداً بتلك الكلمات ومن ذلك الحين فصاعداً، صار يأتي إلي مرات أقل فأقل.

إن رد جياما على ليانغزي بوبو هو المفتاح. من يحتاج إلى زوج عندما يكون لديك تسعة إخوة؟ في معظم المجتمعات، لا يثار هذا السؤال لأن الاخوة مشغولون برعاية أولادهم. ولكن البنية الاجتماعية للموسو غريبة. فبدلاً من الانتقال للعيش مع شركائهن الجنسيين، غالبا ما يبقى الرجال والنساء في بيت أمهاتهم. فينتهي الامر بالأخوة والأخوات الراشدين ان يعيشوا معاً، لذلك يمكن ان يساعد إخوة المرأة على تربية أولادها. بالطبع، هناك تنوّع في ترتيبات المعيشة. لقد شهدت حياة عائلة موسو تحولاً لعقود من الزمان، بل وحتى القرى الأبوية.. عندما أتى علماء الأنثروبولوجيا لأول مرة في خمسينيات القرن العشرين (كما كان متوقعاً، كان الزواج أقوى في هذه القرى). ولكن الدرس الأساسي يظل ثابتاً: فعندما تقلل النساء من اعتمادهن على شركائهن الجنسيين، تصبح الروابط الثنائية أضعف.

فهل يحدث أمر مشابه حول العالم؟ هل ينهار الزواج لأن النساء المتمكنات أقل احتياجاً إلى الروابط الزوجية؟

للوهلة الأولى، يبدو أن الإجابة هي نعم. يعزو العديد من الكتّاب  تراجع الزواج الى السهولة المتزايدة للأبوة أو الأمومة المستقلة. وبالنظر إلى الإحصاءات المذهلة لأيسلندا -أكثر من ٧٠٪ من حالات الولادة في عام 2018 كانت خارج نطاق الزواج - فقد أصبح هذا الموضوع محط تركيز شعبي. في عام 2016، أشارت إميلي إبستين إلى أنه في آيسلندا: "أدى الجمع بين البرامج الاجتماعية السخية والمجتمع العلماني إلى جعل الزواج موضة قديمة، في حين أدى إلى نشوء ثقافة فريدة من الأمومة المستقلة …فالعيش في مجتمع صغير يعني أن الأقارب غالباً ما يكونون متقاربين ويمكن أن يشاركوا في رعاية الأطفال".

أبدت العالمة السياسية جانيت جونسون ملاحظة مماثلة في مجلة نيويوركر في عام 2015. وأشارت في معرض كتابها عن (الثقافة المميزة للأمومة المنفردة في آيسلندا) إلى أن "الوالدين الآيسلنديين يحصلان على مزايا اجتماعية كبيرة، بما في ذلك إجازة مدفوعة الأجر مدتها تسعة أشهر يتقاسمها الوالدان مع المراحل الدراسية التمهيدية المعقولة التكلفة. ولدى معظم الناس أيضاً شبكات من الأقارب في الجوار لتدارك أى نقص فى الموارد." وكما أن نساء الموسو لديهن إخوانهن وأخواتهن، فإن النساء الغربيات لديهن أسر وأصدقاء ومساعدات حكومية.

فقد تكون الأمومة المنفردة اليوم أسهل من ذي قبل. ولكن كل هذه التعليقات تغفل عن النقطة الأساسية. الإتجاه الرئيسي ليس الإرتفاع المتزايد لترند الوالدية المنفردة، بل إنه تراجع في شكليات ورسميات الزواج. لا يزال الناس يتزاوجون، مازالا يعيشان معاً مازالوا يمارسون الجنس، يربون أطفالهم، ويشاركون مواردهم. هم فقط لا يَتزوّجونَ. فهم لا يخضعون علاقاتهم لحزمة الحقوق والمسؤوليات التي تسميها الحكومات "الزواج". وكما أوضح الخبير الديموغرافي الآيسلندي آري كلجنجر جونسون في تقريره: (أمة من الأطفال غير الشرعيين؟ ) في ٢٠١٩، فإن الغالبية العظمى من الولادات خارج إطار الزواج في أيسلندا ليست للأم العزباء ؛ بل انها لأزواج متفقين على المساكنة. 

وبالنسبة للديمغرافيين، فإن إرتفاع معدلات المساكنة هو محور الثورة ضد الزواج. الأرقام مذهلة، ففي الولايات المتحدة ارتفع عدد الأزواج الذين يتعايشون مع الجنس الآخر من ١.٦ مليون في عام ١٩٨٠ إلى ٨.٥ مليون في عام ٢٠١٨. وفي النرويج، رأى ثلث المستجيبين في عام ١٩٨٤ أنه من المقبول أن يعيش زوجان غير متزوجين مع أطفالهما ؛ وبحلول عام ٢٠٠٧، وافق أكثر من أربعة من كل خمسة على المعاشرة بدون خطة للزواج. تبدأ مراجعة بحثية حديثة من جامعة كورنيل في نيويورك: "أن التغييرات غير المسبوقة في توقيت ومدة وتسلسل العلاقات المشتركة الحميمة جعلت دراسة الزواج أكثر تعقيداً بكثير مما كانت عليه في الماضي". زيادة معدلات المساكنة هي السبب الرئيسي

ولتفسير تراجع معدلات الزواج، لا ينبغي لنا أن ننظر إلى الوالدية المنفردة والروابط الزوجية الضعيفة. نحن بحاجة إلى النظر في المساكنة.

إذا كنت تريد أن تتعلم عن المساكنة، لا يمكنك أن تفعل أفضل من أن تسأل برينا بيريلي هاريس. أمضت بيريلي هاريس، وهي خبيرة ديمغرافية في جامعة ساوثهامبتون في المملكة المتحدة، أكثر من عشرين عاماً في دراسة التغيرات في الإنجاب والشراكات الزوجية. فمثلها كمثل العديد من خبراء الديموغرافيين، بدأت حياتها المهنية في دراسة مكان واحد ــ روسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي ــ ولكن نظراً لتغير بنية الأسرة في مختلف أنحاء العالم، أدركت الحاجة إلى تبني نهج مقارن. لذا فقد جمعت بين علم الديموغرافيا والانثروبولوجيا وعلم الاجتماع وبدأت دراسة شبكة الإنجاب خارج إطار الزواج.

وهذه الشبكة عبارة عن مجموعة دولية من الباحثين الذين يحاولون فهم ما هو عالمي بشأن التغير الأسري وما هو خاص ببلدان بعينها. فقد بدأوا بدراسة بيانات المسح، ولكن كما تشير بيريلي -هاريس، "بيانات المسح ضحلة جداً. فهي لا تخبركم بالكثير عن التفسيرات ــ الأسباب في لماذا يتصرف الناس على هذا النحو ــ وكيف تختلف هذه الاتجاهات عبر البلدان". لذلك، اتخذوا نهجاً مختلفاً: المجموعات المركزة. فقاموا بدعوة ستة الى ثمانية أشخاص في وقت واحد، وطرحوا عليهم أسئلة مثل: "هل ينبغي ان يتزوج الناس اذا كان لديهم اولاد؟ و بعد ٥٠ سنة هل تعتقد أن الناس سيظلوا يتزوجون؟" وبحلول الوقت الذي نشروا فيه نتائجهم في عام ٢٠١٤، كان لديهم ٧٩ مجموعة مركزة تضم حوالي ٦٠٠ مشارك في ثمانية بلدان أوروبية وفي أستراليا.

وقد امتدت البلدان على امتداد سلسلة ترتيبات الشراكة: من إيطاليا، حيث أظهرت الدراسات الاستقصائية السابقة أن ١٤٪ من المجيبين تعايشوا، إلى النرويج، حيث فعل ٨٠٪ من المجيبين ذلك. وعلى الرغم من هذا التفاوت، نشأت قصة مشتركة. وفي كل مكان تقريباً، اتفق الناس على أن الزواج يتطلب التزامات أكبر من المساكنة. عليك ان تقطع وعداً امام اصدقائك وعائلاتك وإءا أردت أن تتراجع ستواجه جحيم إداري متمثل في إجراءات الطلاق. وكما اوضح أحد المشاركين الروس: "يمكنني ان اترك اتحاد المساكنين بسهولة اكبر مما هو فى حالة الزواج". مع الزواج، "هناك شيء مثل القفل".

الناس يتقبلون الإلتزام بالزواج، لأن الزواج يوفر فوائد. ستعيشون معاً، وإن رغبتم، ستربون أطفالاً. تشعر بالأمان لأن شريكك يلتزم أيضاً كما أنكم تنالون امتيازات قانونية، بما فيها بعض الامتيازات الضرورية لكسب عيشكم. وتذكَّر أحد المشاركين كيف كان يُسمح للزوجين في ألمانيا الشرقية السابقة فقط بالحصول على القروض. وقال: "لم تكن هنالك طريقة اخرى".

كان ذلك يتناقض مع ما نعيشه الآن قال: "اليوم، أنا أعزب، أذهب الى متجر الأثاث وأشتري شقتي كلها فى هيئة قرض مستعار." و تعليقه يعكس اتجاه مجتمعي أوسع: الزواج يفقد احتكاره للفوائد. ويرجع هذا جزئياً إلى أن الحكومات تمنح الأشخاص العزاب امتيازات كانت تقتصر ذات يوم على المتزوجين. ومع ذلك فإن أكبر المساهمين في هذا السياق يتلخص في القبول المتنامي للمساكنة. ومع تراجع المعايير الجنسية، يستطيع الشريكان غير المتزوجين أن يعيشا معاً. يمكنهم أن يربوا الأطفال ويبنوا حياة معاً ويستطيعون فعل ذلك دون توقيع عقد زواج أبدي على حياتهم. لخّص مشارك هولندي جاذبية المساكنة على الزواج حين قال: "انها اشبه باشتراك. فبإمكانك ان تتركه بسهولة وتمضي قدماً في حياتك".

ويتضاءل الفرق بين الزواج والمساكنة أكثر مع اعتراف الحكومات بالمساكنة. وفي نظر الحكومة الهولندية، فإن المساكنين المسجلين مساوون تقريباً لنظرائهم المتزوجين. السويد وفرنسا ليستا بعيدين وهذا أمر جيد للزوجين المساكنيين، اللذين يمكنهما الآن تبني الأطفال وتقديم الضرائب بصورة مشتركة، ولكن النتيجة تنطوي على تناقض: فالمساكنة ستصبح فى النهاية شكلاً جديداً من أشكال الزواج. تذكروا أن الزواج عبارة عن رابطة زوجية مؤسسية، إنه الجنس + الاقتصاد + الإقامة المشتركة، منغمس في الواجبات والإمتيازات. فمع سماح الحكومات للمساكنين بالإشتراك في التأمين على الشركاء غير العاملين، أو مطالبتهم بدفع دعم الزوج بعد الانفصال، فإنها تعيد تشكيل شكل جديد من أشكال الزواج أقل التزاماً.

ورغم هذه الميول فإن أغلب الناس يريدون أن يتزوجوا رسمياً في نهاية المطاف. ووفقاً لدراسة استقصائية حديثة أجراها مركز بيو للبحوث في الولايات المتحدة، قال حوالي ٧٠٪ ممن شملتهم الدراسة إن الزواج إما ضروري أو مهم لعيش حياة مُرضّية. حتى بين هؤلاء النروجيين المتحمسين للمساكنة، الزواج هو الحل الامثل. الأمر فقط أن معناه يتغير، ومع زوال القشرة العملية للزواج، يبقى جوهر الالتزام قائماً. فالزواج يصير وسيلة يتمكن بها الأشخاص الذين يتجاوبون بقوة مع واحدهم الآخر من توطيد علاقتهم والإحتفال بها. لقد أصبح هذا ما أطلق عليه عالم الديموغرافيا الأميركي أندرو شيرلين في عام 2018 وصف "الكابستون": رمز للحياة والشراكة الفعليتين. وفي إستونيا وبلجيكا وبلغاريا والسويد وفرنسا وجورجيا والنرويج والنمسا، يبلغ متوسط إعلان الزواج بعد ثلاث سنوات على الأقل من متوسط العمر بعد الولادة الأولى. أوضح مشارك نروجي في بحث پيريلي -هاريس: "تزوجنا بعد ١١ سنة. لقد نجونا من الفترة مع تربية الأطفال الصغار، لذلك هذا هو إعلان للاحتفال بالحب."

وتطرح الفكرة نفسها في محادثات حول زواج المثليين. في عام 2006، أجرت عالمة الاجتماع الأميركية كاترينا كيمبورت مقابلات مع مثليين ومثليات كانوا قد تزوجوا عندما عملت سان فرانسيسكو على تقنين زواج المثليين لفترة وجيزة قبل عامين. وتحدث بعض المجيبين عن الآثار القانونية المترتبة على ذلك ؛ أما آخرون فقد اعتبروا الزواج عملا سياسياً. لكنّ كثيرين ركّزوا على الحب. امرأة قدمت على أنها آدي وصفت زواجها بمشاركة أخرى تدعى جولي. آدي و جولي كلاهما ثنائي العرق لكنهما يأتيان من خلفيات مختلفة. ترعرعت آدي في دور الحضانة في الأسر ذات الدخل المنخفض ؛ ترعرعت جولي في الطبقة المتوسطة العليا. آدي بيضاء و أمريكية أصلية، جولي بيضاء و شرق أوسطية. فبالنسبة إليهما، كما اوضحت آدي، كان الزواج إكتمالا للحب تجاوز تاريخهما المتميزين. قالت: ‹ الامر يتعلق بالحب ›. الأمر لا يتعلق بالصف، الأمر لا يتعلق بالعِرق، الأمر لا يتعلق بأي من هذه الأشياء إنه فقط عن الحب وشخصين يقومان بما يجب أن يقوما به وهو حب كل منهما الآخر

عندما قامت منظمة حقوق المثليين بكاليفورنيا بتنظيم حملة تلفزيونية إعلانية في ٢٠٠٧، سألوا المشاهدين: "ماذا لو لم تستطع الزواج من الشخص الذي تحبه؟ " بالنسبة لهم، وعلى افتراض بالنسبة لأهل كاليفورنيا الذين يشاهدون، لم يكن الزواج حول أن يكون راشداً، أو إنجاب الأطفال أو الحصول على الحماية القانونية. كان عن الحب.

هل نهاية الزواج قادمة؟ بالنظر إلى الإتجاهات الحالية، قد يبدو إنها كذلك. إن الحداثة، التي هي مدمرة وغير متوقعة مثل الكويكب، خربت القواعد الاجتماعية. إن هيمنة الزواج الرسمي على العلاقات شارفت على الانتهاء. ومع ذلك، فمثل الديناصورات التي تتطور إلى طيور، يستمر الزواج الرسمي، وفقط تحول سكله و أصبح أكثر ثانوية. في مكانه الرسمي،  تظهر حديقة حيوانات من العلاقات الجديدة. هناك مساكنة عارضة للأزواج الذين يختبرون المياه. هناك نقابات مسجلة لأولئك الذين لا يريدون توقيع العقد الكبير. وهناك دليل ميداني للترتيبات الأقل شيوعاً، من الإرتباط دون معيشة مشتركة (عندما يحتفظ الشركاء لمدة طويلة بعناوين منفصلة) إلى البولياموري التى يتم طبخها على نار هادئة (عندما يكون خليط من الشركاء غير الأحاديين فى علاقة حميمية بما يكفي لتناول الإفطار معاً).

صحيح أن رابطة الزواج كما عرفناها تضعف. إنها تتنوع، لكنها لن تختفي في أي وقت قريب. 
 
 مترجم من موقع آيون

قد تُعجبك هذه المشاركات