المحتويات [إظهار]
حسناً، لقد أصبحت مؤخراً أباً، و عندما أقول مؤخراً، أعني قبل أكثر من عام فقط (أكتوبر 2019). و عندما يصبح المرء أحد الوالدين فإنه يطرح عدداً من الاسئلة العملية والفلسفية. هل كان يجب أن يكون لديك أطفال من الأساس؟ كيف على الإهتمام بحديثي الولادة؟ كيف أمنح طفلي أفضل بداية له في الحياة؟ هل من الخطأ معاملة طفلي معاملة خاصة أكثر من معاملة الآباء الآخرين لأطفالهم؟ هل كونك أباً يعطى معنى للحياة كان غائباً فى السابق؟
في العادة، أميل إلى نوبات مطولة ومتكررة من التأمل الذاتي الفلسفي. إن احد الامور التي فاجأتني عندما اصبحت أباً هو قلة نوباتي الفكرية في موضوع التربية نفسها. ولعل هذا شئ عادى. فربما يهيمن على السنة الأولى من تربية الأطفال فقط الجوانب العملية لرعاية الطفل وليس المضمون الفلسفي. ولكن الآن بعد أن استقريت على روتين يمكن التنبؤ به مع ابنتي (fingers-crossed!) -وهي الحركة التى فى الصورة علامة فى بعض لثقافات لجلب الحظ-، أصبح لدي المزيد من الوقت للتأمل الخاص بي.
هناك الكثير من الأفكار لمناقشتها . و لكن سأركز في هذه المقالة على موضوع واحد وهو: طبيعة وقيمة العلاقة بين الوالدين وأطفالهم. لدينا العديد من العلاقات في حياتنا وغالبا ما تكون مصدراً للقيمة. فعلى سبيل المثال، فكِّر في اصدقائك وشركائك الحميمين. مع العلم أن هناك هناك القليل منّا سيتعايش بدونهم. وتختلف العلاقة بين الوالدين والأطفال عن هذه الأنواع الأخرى من العلاقات في أشياء وتتشابه معها فى أشياء أخري. ما أريد النظر فيه هو خصائصها الهيكلية وكيف تؤثر على قيمة العلاقة ككل. بينما أناقشكم سوف أطرح بعض أفكاري الخاصة، بعد عامي الأول من كوني أباً.
أحد الامور التي لن أركز عليها في هذه المقالة، مع انها تظهر من حين لآخر، هو أخلاقيات إنجاب الاولاد. بعض الفلاسفة معادون للإنجاب، إنهم يعتقدون أنه من الخطأ إنجاب الأطفال. لكن معظم الناس مؤيدون للإنجاب. وهم يعتقدون أنه أمر مستحب، وربما من الإجباري أن يكون لديهم أطفال. قد فات الأوان على المشاركة في هذا النقاش على أية حال، حيث أنني الآن أب بالفعل، ولكنني سأقدم بعض التعليقات التي تتطرق أحياناً إلى النقاش بين مؤيدى و معارضي الإنجاب بينما نمضي قدماً.
1. طبيعة العلاقة بين الآباء والأبناء
العلاقات تأتي في عدة أشكال مختلفة. ولابد أن تكون العلاقات التي تربطنا بأصدقائنا وشركائنا طوعية (بمعنى أننا لابد أن نكون قادرين على اختيار أصدقائنا وشركائنا) و أيضاً تحترم مذهب المساواة (بمعنى أنه لا ينبغي لأي طرف أن يهيمن على الطرف الآخر أو يخضعه لتلبية احتياجاته). وبطبيعة الحال، كثيرا ما تُُقّصر الصداقات والشراكات الحميمية عن بلوغ هذه المثل العليا، ولكن بينما تفعل ذلك، فإنها تعتبر عموماً شيئاً معيباً أو إشكالياً بشأنها.
ليست كل علاقاتنا قائمة على الطواعية والمساواة. على سبيل المثال، يمكن أن تكون علاقتنا في مكان العمل علاقات تنعدم فيها المساواة: حيث يمكن اعتبار شخص ما (المدير) يتمتع بقدر أكبر من السيطرة والسلطة مقارنة بشخص آخر (الموظف). وبالإضافة إلى ذلك، فإن علاقتنا في مكان العمل تتسم في بعض الأحيان بطابع غير طوعي: فنحن لا نختار دائما من هم زملاؤنا ؛ تم اختيارهم من أجلنا. وهذا لا يجعل بالضرورة هذه العلاقات معيبة أخلاقياً؛ إنها فقط تجعل صفاتها الأخلاقية مميزة. فالرؤساء، على سبيل المثال، قد تكون لديهم واجبات مختلفة (أكثر صعوبة) عن الموظفين، وقد تكون هناك حاجة أكبر لمحاولة المساواة والتغاضي بين الزملاء مما سيكون عليه الحال في العلاقات الطوعية البحتة.
إذاً حتى لا نذهب بعيد عن موضوع حديثنا، ماذا عن العلاقات بين الآباء والأبناء؟ في بعض النواحي، هي ظاهرة فريدة من نوعها في التجربة الإنسانية. ومن منظور الطفل، فهى علاقة ليست طوعية إطلاقاً: فلا يحق له أبداً أن يختار من هو والديه. وربما يكون الاستثناء الوحيد من ذلك هو عندما يبلغ الطفل سن النضج ويكون قادرا على تحرير نفسه من والديه قانونياً أو عملياً. ولكن حتى بعد ذلك يظل آباؤه آباءه لا تغيير فى ذلك: فلا يمكن للأبناء استئصالهم بالكامل من حياتهم أو شعورهم بالاستقلال الذاتي. وفي بعض الأحيان تكون العلاقات غير طوعية من وجهة نظر الوالدين أيضاً -على سبيل المثال في حالات الإغتصاب أو الحمل القسري أو عندما ينعدم مفهوم تحديد النسل - ولكن هذا أمر نادر الحدوث بين معظم أقراني. معظم الناس الذين أعرفهم يختارون طوعاً أن يصبحوا آباء. أو، كما قد يكون صحيحاً في حالتي الخاصة، الموافقة طوعاً على اختيار الآخرين أن يصبحوا أحد الوالدين.
كما أن العلاقات بين الآباء والأبناء غير متكافئة إلى حد كبير. وهناك، كما تصفها كريستين في كتابها "لماذا لدينا أطفال"، عدم التماثل المتأصل في العلاقة -لأن الطفل لا يختار والديه أبداً- وعدم التماثل المشروط، لأن الطفل خلال السنوات الأولى يعتمد إلى حد كبير على والديه من أجل البقاء. وعلاوة على ذلك، يمكن للوالدين خلال هذه السنوات المبكرة أن يشكلوا حياة أطفالهم بطرق يمكن أن تكون لها آثار طويلة الأمد. ويمكن أن ينحسر هذا الاعتماد في وقت لاحق من الحياة. عندما ينضج الأطفال، يمكن أن يصبحوا كائنات مستقلة نسبياً، وعندما يصل الآباء إلى حالة الشيخوخة الشديدة، فإنهم غالباً يصبحون معتمدين بشكل كبير على أطفالهم لبقائهم. هذه هي دورات الحياة. دورات تسلط الضوء، إلى حد ما، على الخلل في التفكير في أن أي واحد منا مستقل حقاً عن أي شخص آخر.
وعلى الرغم من التفاوتات المتأصلة والمشروطة في العلاقة بين الوالدين والطفل، لا يزال هناك دور للمساواة. فالطفل ليس شيئا يمكن لوالديه العبث به أو التجريب عليه. الطفل هو -أو على الأقل سيصبح- شخص في حد ذاته. وبهذه الصفة، فإنهم يستحقون -أو سيصبحون على الأقل يستحقون- نفس المستوى من الاحترام الواجب لجميع البشر. وما بدأ كعلاقة غير متكافئة إلى حد كبير سوف يصبح أكثر مساواة بمرور الوقت.
وأخيراً، من الجدير أن نعلق عليه هو دور المحبة (أو المودة والإحترام) غير المشروطين في العلاقة بين الآباء والأبناء. غالباً ما يُقال أن الوالدين يحبّون أولادهم دون قيد أو شرط. ولكن هذا يبدو معياراً غير واقعي وغير مستحب. أعتقد بدلاً من ذلك، أن حب الوالدين لأطفالهم يجب أن يكون قوي ومرن للغاية. وينبغي أن يكون قادراً على تحمل الكثير من فترات مقدار صعوده وهبوطه، ولكن ينبغي أن يكون له أيضاً بعض الحدود. وإذا تبين أن الطفل قاتل جماعي أو قاتل متسلسل، فمن الصعب أن نرى لماذا يتعين على أحد الوالدين أن يرغم على محبته (ولو أنه قد يظل يحتفظ برباط عميق ومودة طبيعية نحوه بطبيعة الحال). علينا أن نفكر أيضاً، ماذا عن محبة الولد لوالديه؟ حسناً، مرة أخرى، يبدو مثالياً أن هذا أيضاً مفهوم يجب أن يكون قوياً ومرناً أيضاً، ولكن نظرا للتباينات في العلاقة بين الآباء والأبناء، فإنه لا يبدو من العدل أن يكون الطفل على نفس مستوى الوالد.
2. قيمة العلاقة كحجة لتصبح والداً
وفقًا لبعض الفلاسفة، فإن الخصائص البنيوية الفريدة للعلاقة بين الوالدين والطفل، وتأثيرها على الآباء على وجه الخصوص، توفر مبررًا محتملاً لإنجاب طفل. كريستين هي واحدة من المدافعين عن هذا الرأي وتقدمه في نهاية كتابها.
هذا كتاب مثير للاهتمام. و في ذلك، يجادل بأن قرار إنجاب الأطفال هو قرار مشحون أخلاقياً وأن الناس في كثير من الأحيان لا يعاملونه بمستوى التدقيق الأخلاقي الذي يستحقه. وبينما ترفض موقفاً مناهضًا للإنجاب بقوة -مثل الموقف الذي دافع عنه ديفيد بيناتار- فإنها ترفض أيضًا فكرة أن هناك واجباً أخلاقياً لإنجاب الأطفال أو أن إنجاب الأطفال هو أمر نبيل أو مرغوب فيه بشكل خاص. وبالتالي قد تكون مفاجأة عندما تجادل- فى آخر فصل- بأن أي شخص فكر في إنجاب الأطفال يجب ألا يضيع فرصة الحصول على طفل (على الرغم من أنه ربما، كما قالت هي نفسها، "لا أكثر من واحد"). وبعبارة أخرى، فإن الرأي الإجمالي هو أنه في حين أن إنجاب الأطفال ليس إلزامياً، ولا أساسياً للحياة الجيدة، فإنه مسموح به ويمكن أن يسهم في الحياة الجيدة، في الحالة الصحيحة.
ما هو الجدال و الحجة في ذلك؟ إنه من الصعب بعض الشئ تفريغها، ولكن إليكم كيف قرأت ذلك الرأى:
(١) أن الحياة المزدهرة أمر جيد، والبشر-مع ثبات باقي العوامل- لديهم مبررهم في تطلعهم إلي العيش حياة واحدة مزدهرة.
(2) هناك العديد من المسارات والعناصر المختلفة لحياة مزدهرة ؛ ونحن أحرار في الاختيار من بين هذه المسارات والعناصر كما نراها مناسبة (شريطة ألا ننتهك بعض الواجبات الأخلاقية الأخرى في سياق القيام بذلك).
(3) يمكن أن يكون وجود طفل ومشاهدة العلاقة بين الوالدين والطفل عنصراً في الحياة المزدهرة بسبب الطبيعة الفريدة للعلاقة بين الوالدين والطفل (وبالنسبة لبعض الناس على الأقل، لا ينتهك وجود طفل الواجبات الأخلاقية الأخرى).
(٤) لذلك، يمكن تبرير إنجاب طفل كعنصر في الحياة المزدهرة.
الآن سأكون أول من يعترف بأن هذه صياغة خشنة وجاهزة للجدال. لن تفوز بأي جوائز لدقتها المنطقية لكنها تعطينا ما يكفي لإخضاع الحجة (إجمالاً) لبعض التقييم النقدي.
ويبدو لي أن الفرضيتين الأوليين لهذه الحجة غير مثيرتين للجدال نسبياً. فبالطبع، نحن مبرَّرون لمحاولتنا أن نعيش حياة مزدهرة. ومع ذلك، فإن شرط "ثبات باقي العوامل" أمر بالغ الأهمية في كل من هذه الفرضيات: يجب ألا يأتي ازدهارنا على حساب بعض الواجبات الأخلاقية الأخرى. ففي حالة متطرفة للغاية، فربما كان بوسعي أن أعيش حياة جديرة بالإهداء وممتعة للغاية من خلال قتل أقرب منافس لي في العمل (لنفترض أنني أستطيع أن أتعايش مع الشعور بالذنب). ولكن لا أحد يستطيع أن يبرر قيامي بهذا: ذلك أن ازدهاري ليس له الأسبقية على حقه في الحياة.
الفرضية الثالثة هي الحاسمة. ما هي العلاقة بين الآباء و الأبناء التي تؤدي الى الازدهار؟ هناك خط فاصل في الإجابة على هذا السؤال. وهي تقبل أن اختيار إنجاب طفل يكون في كثير من الأحيان غير مبرّر وأن الوالدين يمكن أن يفعلوا ذلك لأسباب سيئة. ولكن عندما يتخذ القرار للأسباب الصحيحة -وعندما يقبل الآباء الشخصية المستقلة لأطفالهم- فإن القرار قد يكون تحويلياً. وفي مقطع حاسم، تسلط الضوء على بعض فوائده المحتملة:
عندما يصبحون آباء، يجد الناس أن العديد من القدرات الأخرى لديها فرصة للازدهار ؛ كقدرتهم على الملاحظة ؛ و فهمهم للتنمية البشرية وعلم النفس ؛ شجاعتهم ومثابرتهم ؛ تقديرهم للعب ؛ قدراتهم الفنية أو الموسيقية أو العلمية أو الرياضية ؛ وعندما يختار المرء أن يكون له طفل، فإنه يقرر أن يحقق إحساسه بهويته، وفي الوقت نفسه يطمح إلى أن يكون شخصاً مختلفاً عما كان عليه قبل أن يولد الطفل. وعندما يصبح المرء والداً، فإنه لا ينشاً طفلاً وعلاقة فحسب، بل ينشأ نفسه أيضاً ؛ فحينها يخلق المرء هوية ذاتية جديدة وأفضل من الناحية المثالية.
أنا أؤيد هذه الحجة إلى حد ما. ولا شك أن تجربتي مع الأبوة توحي أن ذلك يساعد على تنمية صفات شخصية ايجابية. على سبيل المثال، قبل أن تولد ابنتي، كنت قلقاً من أن أكون مهووساً بنفسي، بعملي ونجاحي، وبمشاريعي وطموحاتي، مما يمنعنى أن أكون والداً صالحاً. خشيت ان أستاء من طفلي لأنه أخذ وقتي واهتمامي، لأنه أبعدني عن الاشياء التي كنت أقدرها كثيراً ذات مرة. منذ ولادتها، اندهشت بسرور من قلة صحة ذلك. في الواقع، أنا استمتع بقضاء الوقت معها والاعتناء بها. وأثناء القيام بذلك، كان علي تطوير قدرات افتقرت إليها أو تركتها لتضمر كـ (الصبر، المرح، إلخ). في الحقيقة، أَستاءُ من عملي الآن لأنه يأخذنى بعيداً عنها. وقد أشارت التجربة إلى أنني ربما أقل أنانية أو مهووس بذاتي مما كنت أفترض سابقا. وباختصار، لقد وجدت هذه التجربة تحولاً ذاتياً، وأجرؤ على القول إنني قد أكون شخصا أفضل نتيجة لذلك.
ومع ذلك، فإن هذا الجدال لا يناسبني. لدي قلقان كبيران الأول هو أنه في الإشارة إلى أن قرار أن تصبح والداً يمكن تبريره بقدر ما يحولني (الوالد) إلى شخص أفضل يبدو أن الحجة تؤيد دافع أناني. إنه لا يبدو وكأنه يحترم شخصية الطفل المستقلة على الإطلاق. فإذا صدقنا الجدال، حينها يكون الطفل هو مجرد مشروع للتحول الذاتي.
وبشكل عام، فإن هذا الأمر لا يخلو من مشكلة كبيرة. وهي تقبل أن بعض الآباء لديهم أطفال لأسباب أنانية وغير مبررة. ولكنها ترفض أنه مع الدافع الصحيح، يمكن أن يكون إنجاب طفل شئ "ذاتي التوجه… لا أنانية حتية" هذا تمييز دقيق، ربما لا معنى له. إن طريقتي في التفكير في الأمر هي أن أقول إنني عندما أصبح والداً فقد طورت سمات تتعلق برعاية شخص آخر (سمات تتعلق بي ولكنها إلى حد كبير ذات توجه آخر في الطبيعة). بِكَلِمَةٍ أُخْرَى، قَدْ أَكُونُ شَخْصًا أَفَضَلُ حِينَ أَصِيرُ وَالِدًا، ولكن فقط إلى الحد الذي أتعامل فيه برعاية شخص آخر. في هذا الصدد، قد يكون أن تصبح أحد الوالدين شبيهاً بأي مشروع خيري تجده مرضياً: تحصل على شيء منه ولكن فقط لأن الآخرين يفعلون ذلك أيضاً. وبهذا المعنى يكون الفوز مكسبا للجانبين. لكن هذه المقارنة مع العمل الخيري تسلط الضوء أيضًا على غرابة اختيار المسار الأبوي لهذا النوع من الازدهار. ولكن لماذا اضطررت إلى إنجاب شخص آخر ــ شخص تربطني به علاقة فريدة وغير متماثلة ــ أهذا لتنمية هذه السمات الشخصية الأكثر إيثاراً؟ لماذا لا يمكنني فعل هذا مع أشخاص آخرين موجودين بالفعل؟ ومن المؤكد أن هناك بعض الأنانية، في المشاركة فى إنشاء شخص تابع لهذا الغرض؟ أنا لست متأكداً من أنني سوف أدير رأسي أبداً عن ذلك.
هذا يربطني بقلقي الثاني ألا و هو أن الحصول على طفل هو عمل خطير أخلاقياً. فهناك مخاطر على الأم أثناء حملها للطفل. و هناك أيضاً مخاطر على الطفل بمجرد ولادته. وهنالك أيضاً مخاطر محتملة لي وعلاقتي بوالدة الطفل. ماذا لو لم أجد نفسي قد تحوّلت بكوني أباً؟ ماذا لو اتضح أنني أناني ومستاء كما خشيت أن أكون؟ وماذا لو لم اتمكّن من مواجهة تحديات الأبوة فيما تكبر ابنتي؟ هل أؤذي شخصا (أو أشخاصاً) آخر، بشكل لا رجعة فيه، نتيجة لقراري الموجه نحو الذات (إن لم يكن أنانياً)؟ وفي الإجمال تدرك كريستين تمام الإدراك هذه المخاطر الأخلاقية ـ بل إن أغلب كتابها يدور حول هذه المخاطرـ ولكنها لا تولي هذه المخاطر إلا قدراً ضئيلاً من الاهتمام في النهاية. تقول:
إنجاب الأطفال هو أمر خطير أخلاقياً والأفكار التي استكشفتها في هذا الفصل يجب ألا تفسر بأي حال من الأحوال على أنها ادعاء بأن الأبوة هي الطريق الوحيد أو حتى الرئيسي لحياة مزدهرة. وإذا كنت لا تزال تفكر، بعد أخذ جميع المسائل الواردة في هذا الكتاب في الاعتبار، في إنجاب طفل أم لا، أواصل القول: "لا تفوت هذه الفرصة".
أعتقد أن الحجة هنا هي أنه إذا كنت من نوع الأشخاص الذين يقرأون كتابها ويفكرون في المخاطر الأخلاقية للأبوة، وإذا كنت على الرغم من ذلك لا تزال تفكر بجدية في إنجاب طفل، ينبغي عليك أن تمنح نفسك فرصة لأن تخلق علاقة فريدة ومتبادلة. وقد يكون هذا صحيحاً. قد يكون شخص مثلي في وضع أفضل للتقليل من مخاطر الأبوة والأمومة من شخص آخر. لكنها لا تزال تبدو مخاطرة فظيعة. ويبدو أنه قد يكون الأضرار المحتملة المترتبة على الأبوة والأمومة لأى شخص ــ بالنسبة لنفسه، ولشركائه، ولطفله ــ تفوق الفوائد المحتملة. اذا كانت هنالك طرق اخرى للحياة المزدهرة، فلمَ لا تجربها؟ كيف يمكن لأي شخص أن يبرر المخاطرة؟ هذا سؤال آخر ربما سأواصل النضال من أجل الإجابة عليه
3. خاتمة
خلاصة القول إن العلاقة بين الوالدين والأبناء علاقة فريدة. ولهذه الظاهرة عدد من الخصائص الهيكلية الفريدة -اللاإرادية من منظور الطفل ؛ متمثلة في درجة عالية من التبعية منذ البداية -ويمكن أن تكون مصدراً لقيمة كبيرة. وإذا كان لتجربتي أن تمر بأي شيء، فمن الممكن أن تتحول إلى الأفضل، كما يزعم البعض (وإن كان ذلك لا يزال في بداياته)، من خلال الدخول في هذه العلاقة. ولكن اختيار إنشاء هذه العلاقة يظل محفوفاً بالمخاطر ويصعب تبريره. وأنا أقول هذا كشخص قام بتلك المخاطرة.
مقال من أحد المدونين عن علاقته الجديدة بابنته من منظور فلسفى للإنجاب ودوره فى تغيير الذات
إرسال تعليق